للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدبر القرآن واتباعه هما فرق ما بين أول الأمّة وآخرها وإنه لفرق هائل، فعدم التدبر أفقدنا العلم، وعدم الاتباع أفقدنا العمل. وإننا لا ننتعش من هذه الكبوة إلا بالرجوع إلى فهم القرآن واتباعه. ولا نفلح حتى نؤمن ونعمل الصالحات. {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وإن هذه النهضة المباركة المنتشرة اليوم في الأقطار الإسلامية بشير خير بقرب رجوع المسلمين إلى هذه الهداية، لأن هذه النهضة بنيت أصولها على الدعوة إلى كتاب الله وتفهمه والعمل به. وقد كان من بواكير ثمار هذه النهضة في باب التأليف تفسير الإمام النقاد محمود الألوسي على ما فيه من تشدد في المذهبية. وتفسير الأمير صديق حسن خان، ثم جاء إمام النهضة بلا منازع وفارس الحلبة بلا مدافع الأستاذ الإمام محمد عبده فجلا بدروسه في تفسير كتاب الله عن حقائقه التي حام حولها من سبقه ولم يقع عليها. وكانت تلك الدروس آية على أن القرآن لا يفسر إلا بلسانين لسان العرب ولسان الزمان ... وبه وبشيخه جمال الدين، استحكمت هذه النهضة واستمر مريرها. ثم جاء الشيخ محمد رشيد رضا جارًيا على ذلك النهج الذي نهجه محمد عبده في تفسير القرآن. كما جاء شارحًا لاَرائه وحكمته وفلسفته في الدين والأخلاق والاجتماع. ثم جاء أخونا وصديقنا الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس قائد تلك النهضة بالجزائر بتفسيره لكلام الله على تلك الطريقة وهو ممن لا يقصر عمن ذكرناهم في استكمال وسائلها من ملكة بيانية راسخة وسعة اطلاع على السنة وتفقه فيها وغوص على أسرارها. وإحاطة وباع مديد في علم الاجتماع البشري وعوارضه. وإلمام بمنتجات العقول ومستحدثات الاختراع ومستجدات العمران يمد ذلك كله قوة خطابية قليلة النظير. وقلم كاتب لا تفل له شباة.

بارك الله في عمر الأستاذ فأتمّ تفسير كتاب الله ببيانه المشرق في خمس وعشرين سنةً من غير أن تختل أعماله العلمية الكثيرة ولا أعماله المستغرقة لدقائقه في سبيل هذه النهضة. وعرفت الأمّة الجزائرية قيمة ما أتمّ الله على يد الأستاذ فاحتفلت بهذا الختم كأعظم ما تحتفل أمّة ناهضة بأثر ناجح من آثار جهودها. وكان من الإحسان في هذا العمل العظيم ومن الإحسان للنهضة أن تسجل من هذا الاحتفال صورة منبهة على حقيقته، فصدر هذا العدد من "الشهاب" وهو لسان حال هذه النهضة، خاصًا بهذه المنقبة مخلدًا لهذا الأثر، مسجلًا لبعض أوصافه وما قيل فيه.

ونحن بما لنا من الصلة الوثيقة بهذه النهضة ومن العمل النزر فيها نغتبط بهذه الخطوة السديدة وهذه المرحلة الجديدة التي تمّت بختم التفسير، ونرجو أن تكون في المرحلة الثانية أوسع مدى في الهداية وأكثر حظًا من التوفيق. ونهنّئ أخانا الأستاذ بما خصّه الله به من التوفيق في خدمة دينه ولغته وأمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>