للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنت مجلة "الرسالة" الغرّاء نوعًا من الاحتفاء ببعض هذه البواعث، فجرت على إصدار عدد ممتاز للسنة الهجرية، وجلا كتّابها الكرام علينا عبرًا كانت مخبوءة، وأثاروا في نفوسنا ذكريات كانت منسية. ورأينا من بركات هذه السنّة التي سنّها الأستاذ الزّيات- أمتع الله به- أن أقلامًا عربية متينة كانت متنكرة للإسلام وتاريخه تعفّر وجههما الصبوح بالغبار وتمجّ في مشرعهما الصافي السمام المنقع، وقد أصبحت تفتن في إبانة حقائقهما وإظهار معالمهما بما أوتيت من قوة بيان ونصاعة برهان، ثم كتب الأستاذ صاحب الرسالة مرة أو مرّتين- لا أذكر- في ذكرى يوم بدر، وكأنه- حفظه الله- يريد بهذا الصنيع أن يجعله منبهة للأمم الإسلامية إلى ما وراءه من خير، ولكن لم يكن على منهاجه إلا القليل.

ومنذ سنوات احتفلت عصابة من أحياء القلوب والشواعر بموقعة حطين، وهي من المواقع الفاصلة في الحروب الصليبية ومن الصفحات المشرقة في تاريخ صلاح الدين، وتكلم فيها جماعة من رجال الإسلام، ونشرت كلماتهم في كتيّب وقرأناه، فإذا هو احتفال يثير رواكد الهمم، ويكاد ينفخ الحياة في الرمم، ولقد- والله- أشجاني وأبكاني، وما زال يشجيني ويبكيني كلما ذكرته، قول صديقنا الأستاذ خير الدين الزركلي في أنشودة حطين:

لكل أمر حين ... خل البكا حينا

هاتي صلاح الدين ... ثانية فينا

الشامخ العرنين ... عزا وتمكينا

وجددي حطين ... أو شبه حطينا

لك الله أيها الشاعر. وهل يأتيك بصلاح الدين إلا أمّتك؟ وهل يجدّد لك حطين إلا قومك الذين بدأوها؟ ولكن، هل أمّتك مستعدة لأن تأتيك بصلاح الدين مرّة أخرى؟ وهل قومك أهل لأن يجدّدوا موقعة حطين وفيهم أمثال عبد الله ... ؟

قد خلت الآجام ... من رابض فيها

أحي في أمّتك وقومك خلق التأسّي بمن قلت فيه:

فصاح: لا عدوان ... لا بغي لا إرهاق

قد فرض الإيمان ... مكارم الأخلاق

وأنا الضمين بأنهما يأتيانك بجمع من صلاح الدين، ويجدّدان لك حطين، وأشباه حطين.

لا نريد للمسلمين أن يعكفوا على تلك الاحتفالات المولدية الشائعة التي يقتصر فيها على تلاوة القصص المشوّهة، فإن ذلك الطراز لا يتفق مع شرف الذكرى وجلالها. وإن القصص المولدية الحشوية، والخطب المنبرية الرائجة هما سبب تنويم هذه الأمة وأصل بلائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>