للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أن نعكف على ذلك النوع الشائع في مصر كمولدي البدوي والرفاعي وغيرهما، فإن ذلك النوع- زيادة على إفساده للدين والأخلاق- لا يثير في النفوس ذكريات ماجدة ولا معاني شريفة وإنما يمكّن فيها للتخريف والدجل.

ولا ذلك النوع الشائع في الأوساط الشيعية من احتفالهم يوم عاشوراء بذكرى مقتل الحسين- عليه السلام- فإنه فضلًا عما يقع فيه من المنكرات المخجلة، لا يثير إلا الحفائظ والإِحن ولا يثمر إلا توسيع شقة الخلاف، ولقد حضرت احتفالهم مرّة واحدة بدمشق في تربة تُعرف بأرسلان، فعجبت كيف تصدر تلك الشناعات من مسلم، وعلمت لأول مرّة: إلى أي حدّ ينتهي التعصّب والغلوّ، ثم ذاكرت عالم الشيعة بدمشق الشيخ عبد المحسن العاملي وهو عالم فاضل أديب معتدل في ذلك، فأنكر ما أنكرت بالقول، واعتذر عن الإنكار بما فوق ذلك بما يعتذر به علماء الدين في كل مكان.

لا نرضى للمسلمين بهذا الطراز البالي من الاحتفالات التي ذكرنا بعض أنواعها، فقد عكفوا عليها قرونا، فما زادتهم إلا خبالًا وانحطاطًا، وإنما نريد منهم محوها واستبدالها بما هو خير.

وقد تتابع السواد الأعظم من إخواننا المصريين في هذا النوع السخيف مثل ما تتابع الفريق المثقف منهم في تقليد الغربيين في هذا الباب بلا تحفّظ ولا استمساك، فبينما سواد الأمّة وعديدها الأكثر، عاكف على الأضرحة، يقيم حولها احتفالات الموالد ويرجو منها الإمداد وعلماء الدين يمدّونهم في الغيّ بسكوتهم، ومشيخة الأزهر تزكي أعمالهم بتقبيل شيخها لمقود جمل المحمل. نرى الطرف الآخر يتهالك على تقليد الغربيين في ولائمهم واحتفالاتهم السخيفة بالتوافه والسفاسف ويستهتر في هذا التقليد حتى تطغى احتفالات الغرب الدينية والقومية حتى على المواسم الشرقية الدينية، وهذه جرائدهم ومجلاتهم تشهد- في ضجر وعتب أو في رضى وإعتاب- بأن هذه الطائفة، وهم عمار الحواضر يحيون ليلة الميلاد المسيحي وعيد رأس السنة المسيحية ولا يأبهون لعيد الفطر ولعيد الأضحى.

ولعمري إن هذا لهو الاستعمار الروحي الذي لا يُعدّ الاستعمار المادي معه شيئًا مذكورًا!

أولم يكن لهم آية أن شوقي- رحمه الله- يقول على لسان كليوباطرة ملكة مصر، تخاطب خدم قصرها:

لا تسيروا على ولائم روما ... سرفًا في الفسوق واستهتارا

مصر إن أولمت سمت بالأغاني ... درجات وأسمت الأشعارا

<<  <  ج: ص:  >  >>