للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه كليوباطرة وهي كما يقولون: أنثى أفنت العمر في الهوى. أنفت (أو أنف لها شوقي) أن تسير ولائمها على ولائم روما. فلئن كان هذا الكلام مما ألم معناه بخاطر كليوياطرة وجرى لفظه على لسانها فهي أصدق وطنية وأنبل نزعة من هؤلاء المقلّدين، وإن كان إنما تخيّلها شوقي كذلك فما أراد إلا عظة هؤلاء وما عنى إلا إياهم وما وجّه الخطاب إلا إليهم. وليس شيء من ذلك بمستنكر على شوقي.

ويا ليت إخواننا هؤلاء استبدلوا غربًا بغرب فقلّدونا نحن- ما دام التقليد مبلغ جهدهم- في كثير من هذه المعاني التي يقلّدون فيها الغربيين، ألسنا مغاربة؟ ألسنا أحق باسم الغرب بالنسبة إلى مصر؟ وإنما أوروبا شمالي مصر. وقد شرع لهم حافظ هذه التسمية في قوله:

وَدَعُونا نشم ريح الشمال

أم يقولون: إننا برابرة ومتوحشون: فنعم وكرامة عين. ولكننا مع ذلك شداد في الاستمساك بحبال الشرقية في كثير من مناحي الحياة. ولقد صاحبنا الاستعمار أكثر من قرن فما استطاع لنا هضمًا.

خالفنا الاتجاه قليلًا ولمسنا ببعض العتب علاقة عزيزة علينا، وعزيزًا علينا أن نراها مسرفة في التقليد، غالية في المتابعة على غير هدى على حين نأتم بها ونعدها لإمامة الشرق كله، فليهنأ إخواننا أننا تلامذتهم، ولكن في غير ما هم فيه تلامذة الغرب ...

...

لم تعرف الجزائر في ماضيها من الاحتفالات إلا تلك الصور العادية الساذجة في العيدين الدينيين، وإلا الزرد الموسمية في بعض الجهات، وإلا نوعًا آخر هو أقرب إلى الاحتفال المنظّم لو خلا من المحظورات الدينية. وحلا بالمشارب القومية والفوائد الاجتماعية. والعامة تُطلق على هذا النوع اسم "الأركاب" وهم يعنون جمع ركب بسكون الكاف كأركاب خالد ابن سنان بصحراء بسكرة، وركب عامر لقبر عطية قرب قلعة بني حماد، وركب قسنطينة لقبر ابن عبد الرحمن بالجزائر، وركب البليدة لقبر الشيخ أبي مدين بتلمسان، وكلها من شدّ الرحال غير المشروع، وكلها قريبة من النوع الذي نعيناه على المصريين وإن كانت أقلّ منه فسادًا أو إفسادًا.

وعرفت الحواضر الجزائرية شبه احتفال بالمولد النبوي، يقتصر فيه على التجمير والتقصير وتلاوة قصة من القصص الحشوية الشائعة. ولقد حضرت- منذ سنوات- حفلة مولدية من هذا النوع بحاضرة الجزائر، وسمعت عالمًا أزهريًا يقرأ على الناس قصّة مولدية- لعلها مولدية

<<  <  ج: ص:  >  >>