للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنه يرى أن عمله في التفسير هو أجلّ أعماله في التعليم، وأنه بإتمامه لهذا العمل يستكمل مزية الاستحقاق للتكريم والإجلال من أمّته إذ يكون قدّم لها عملًا تامًا ناضجًا وصورة كاملة من مجهوداته زيادة على ما خرج لها من رجال ... كأنه- حفظه الله- كان معلّق البال بهذا العمل ويخشى أن تقطعه قواطع الدهر.

وأراد الله، فحقّق للأستاذ أمنيته من ختم التفسير وللأمّة رجاءها في تسجيل هذه المفخرة للجزائر، ولأنصار السلفية غرضهم من تثبيت أركانها بمدارسة كتاب الله كاملًا. وبدت مَخَايِل الختم من أواخر السنة الخالية فكثر الحديث في الاسمار وفي المنتديات عن الاحتفال وصوّرت منه الخواطر احتفالًا ملء الأمل. وكذلك كان. والحمد لله.

تألّفت لجنة تنظيم بمركز الاحتفال "قسنطينة" وأعدّت للاحتفال برنامجًا محيطًا محكمًا وجعلت شعاره كله (القرآن) فالوفود وفود القرآن والضيوف ضيوف القرآن، وأذاعت توقيت الاحتفال باليومين الرابع والخامس من شهر ربيع الثاني، ثم عدلت عنهما إلى الثاني عشر والثالث عشر منه لعوارض قاهرة لا يملك معها الخيار. وأضرّ تأخير ذلك الأسبوع بطوائف من الأمّة كانت تسابق بالاحتفال أشغال الصيف وتكاليف الفلاحة، وهي تكاليف لا يملك معها الخيار أيضًا ..

انهالت الوفود القريبة الدار على قسنطينة يوم الجمعة وتلاحقت الأمداد يوم السبت، وشعر الناس شعورًا عامًا أن الجامع الأخضر لا يسع الوافدين إذا انهال سيلهم، وان محلًا ما من المحلات العامة لا يسعهم أيضًا. فألهموا من غير تواطؤ، العمل بقاعدة التمثيل فأرسلت كل بلدة وفدًا محدود العدد يمثّلها، فلم تبق بلدة من عمالة قسنطينة كبيرة أو صغيرة إلا ومثّلها وفد في مهرجان القرآن، فرأينا هناك وفود البلدان الساحلية من بجاية إلى الحدود التونسية ووفود مناطق التلول من سطيف إلى سوق أهراس ووفود المناطق الصحراوية من بسكرة إلى سوف. وتكاملت عقود هذه الوفود بوفد عاصمة الجزائر الضخم المؤلّف من مائة وثلاثين شخصًا، ثم وفد تلمسان وهو أقصى الوفود دارًا عن قسنطينة، فبينهما ما يزيد عن ألف ميل، ولكن جاذبية القرآن هوّنت عليه النصب واللغوب.

رأى الوفد التلمساني أن يقطع الطريق من الجزائر إلى قسنطينة في سيارة أوتوبيس ذات أربعين مقعدًا ليجمع بين الفائدة والنزهة وعمل بالاتفاق مع الوفد الجزائري على أن يخرج الوفدان من الجزائر معًا ويدخلا قسنطينة مساء السبت معًا.

وبلغ أهالي سطيف أن الوفدين يمران ببلدتهم فأبى عليهم كرمهم إلا أن يقيموا لهما حفلة شاي فاخرة. وأرسلوا للوفدين استدعاء مع رسول خاص، مبالغة منهم في البر والاحتفاء. وخرج الوفدان من العاصمة على الساعة السادسة من صباح السبت في قطار من

<<  <  ج: ص:  >  >>