للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى شهد الاحتفال بختم التفسير من الشيخ ابن باديس، وقد حضره كله في ربع قرن فيما نعتقد، ففاضت نفسه المنصفة بهذه القصيدة، وكانت قصائده تاريخًا لثلاثة أجيال كاملة.

إن الشيخ البوعوني حجّة الله على علماء عصره الذين يذهب بهم الكبر والاستنكاف إلى حرمان أنفسهم من العلم، استطالةً واغترارًا بمكانتهم في السن أو الجاه، واحتقارًا لمن هو دونهم سنًّا وإن كان فوقهم علمًا.

٧ - الأستاذ محمد العيد

الأستاذ محمد العيد، شاعر الشباب وشاعر الجزائر الفتاة، بل شاعر الشمال الافريقي بلا منازع.

شاعر مستكمل الأدوات، خصيب الذهن، رحب الخيال، متسع جوانب الفكر، طائر اللمحة، مشرق الديباجة، متين التركيب، فحل الأسلوب، فخم الألفاظ، محكم النسج ملتحمه، مترقرق القوافي، لبق في تصريف الألفاظ وتنزيلها في مواضعها، بصير بدقائق استعمالات البلغاء، فقيه محفق في مفردات اللغة علمًا وعملًا، وقاف عند حدود القواعد العملية، محترم للأوضاع الصحيحة في علوم اللغة كلها، لا تقف في شعره- على كثرته- على شذوذ أو رخصة أو تسمح في قياس أو تعقيد في تركيب أو معاظلة في أسلوب، بارع الصنعة في الجناس والطباق وإرسال المثل، والترصيع بالنكت الأدبية والقصص التاريخية.

ومن يعرف محمد العيد، ويعرف إيمانه وتقواه وتديّنه وتخلّقه بالفضائل الإسلامية، يعرف أن روح الصدق المتفشية في شعره إنما هي من آثار صدق الإيمان وصحّة التخفق، ولعلم أنه من هذه الناحية بدع في الشعراء.

رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها وفي كل طور من أطوارها وفي كل أثر من آثارها القصائد الغرّ، والمقاطيع الخالدة، فشعره- لو جمع- سجل صادق لهذه النهضة، وعرض رائع لأطوارها.

وقد سَمَتْ نفسه في العهد الأخير إلى الشعر الفلسفي ونظم فيه عدّة مقطوعات لزومية رائعة نشر القليل منها.

وإذا كان في النهضة العلمية الأدبية بالجزائر نواحي نقص فمنها أن يبقى شعر محمد العيد غير مجموع ولا مطبوع (١).


١) شاءت الأقدار أن يقوم بطبع ديوان محمد العيد، نجل الإمام الإبراهيمي، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي: "ديوان محمد العيد" (الجزائر ١٩٦٧، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع).

<<  <  ج: ص:  >  >>