للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غفلة عنهما، مشتغلين بخلواتهم وجلواتهم، وكأنهم شعروا بضعف ما في أيديهم فاغتنموها فرصة أضافوها إلى مذهبهم.

ونحن نتفاءل بهذه الإضافة كيفما كانت، معتقدين قرب اليوم الذي يظهر الله كتابه على سائر الكتب ولو كره المشعوذون.

...

كان يوم الجمعة ١٧ جمادى الثانية موعدًا لختم سورة إبراهيم- عليه السلام- الذي صادف إتمامها العطلة الصيفية بهذا العام، وقد شاركت العمالة الوهرانية في حضوره، وما غربت شمس ذلك اليوم حتى كانت تلمسان تتماوج بزرافات المصلحين الذين ساقهم حادي القرآن إلى الاقتباس من نور هذا الختم الميمون، وما أفل سراج السماء حتى بزغ وجه العلّامة الأستاذ الشيخ عبدالحميد ابن باديس الذي وفد على تلمسان ممثلًا لعمالتي قسنطينة والجزائر في هذا الختم المبارك.

وما دقّت الساعة التاسعة حتى كان باطن «دار الحديث» كظاهرها يتلألآن بنوري الإصلاح والمصباح، وعلى المنصّة من قاعة المحاضرات جلس الشيخان كفرسي رهان في حلبة البيان، محاطين بكواكب العرفان، وبعد أن شخصت الأبصار وخشعت الأصوات دوّى صوت الإبراهيمي مفتتخا لدرسه بقوله: الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

وقبل أن نتعرض لما التقطناه من جواهر هذا الدرس، أذكر بكل إعجاب ما للهجة الأستاذ في تلاوة الآيات المراد تفسيرها من التأثير على السامعين، لقد تعوّدنا أن نفهم الآيات من تلاوته قبل تفسيره وبيانه الشافي.

ولنقتصر على ما استطعت تقييده من توطئة الدرس معتذرًا بسرعة الأستاذ في التقرير، قال لا فُضَّ فوه: المقارنة بين فاتحة السورة وبين خاتمتها وبين قصّة إبراهيم- عليه السلام- تشعرنا بالصلة الوثيقة بين إبراهيم ومحمد- عليهما السلام-، إذْ كل منهما قد ابتلي لمحاربة الأوثان وبثّ التوحيد الخالص في البشر.

واستعرض الكثير مما قصه الله علينا من شأن إبراهيم في القرآن، وانه أكثر الأنبياء ذكرًا، وما كثر ذكر شيء في القرآن إلا للاعتبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>