للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدخائل (٣٨) على دين محمد - صلى الله عليه وسلم - إلّا بعد قرون، بعد أن انتهى أمره إلى أخلاف (٣٩) السوء من الأمراء والمستبدين والعلماء الجامدين، ومع ذلك فلا زال دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يزال مكين (٤٠) الأساس، واضح الاعلام بهذا القرآن الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديْه ولا من خلفه، وان هذا القرآن لم يَعْتَنِ بتحليل أمة وتفصيل سيرها مثلَ ما اعتنى بأمة إسرائيل ليحذِّرنا مما صنعوا حتى لا تصيبنا عواقب ما صنعوا، كما أن القرآن لم يُفِضْ في دعوة رسول من رسل الله، ولم يفصل طرف الحِجَاج بين رسول وقومه ما أفاض وفصّل في دعوة إبراهيم ومحاجّته (٤١) لأبيه وقومه، ليعرفنا بهذا الاب العظيم الذي زرع النبوة في العامر والغامر (٤٢) من أرض الله، فأقر ابنه اسحاق في أرض كنعان، وأقر ولده إسماعيل في الحجاز لحكمة يَسْتجليها (٤٣) المستعبرُ، ولا تعْمَى على المتدبر، وليدلنا على ما لهذا الأب العظيم من يد في إقامة ركن التوحيد وما له من أثر في حرب الوثنية والوثنيين، وليُشْعِرَنا بأنَّ لنا في بناء الحق وهدمِ الباطل ونشر الهداية والخير أصلًا عريقًا، ونسبًا طويلًا عريضًا، ومتى شعر الْإنسان الصحيح الفطرة بزكاء (٤٤) الأصْل وطهارة المنبت، تحركت فيه نوازع النخوة (٤٥)، وهاجت به عروق الأصالة والعتق، فكان ذلك داعية له إلى العزوف (٤٦) عن الدنايا، والتعلق بأسباب الشرف والكمال، وحسن التأَسّي في مكارم الاخلاق.

وبعض هذا هو سر سلوك المربين للأمم في إشرابها تاريخها، واستنارتها بسِيَر أمجادها وأبطالها، وان في القرآن لأسوةً في كل شيء حتى في هذا الباب، فهو يخاطب بني إسرائيل حتى في مقامات التنديد وتعديد المثالب (٤٧) بأحَبّ النسب إليهم، فينسبهم إلى إسرائيل الذي هو مناط (٤٨) فخرهم، ومعقِد عَزْمهم، وصخرةُ تاريخهم، ليستفزَّهم بذلك، ويُنبهَهم أنّ لهم أصلًا أصيلًا في الشَّرف يحسُن (٤٩) عليهم أن يرجعوا إليه ويقْبُح بهم أن يعقوه ولا يقتدوا به.


٣٨) ما أدخل في الإسلام أو نسب إليه وليس منه ...
٣٩) جمع خلف، والخلف: الابن الطالح، والأخْلافُ: الأبناء الطالحون.
٤٠) راسخ الجذور، ثابت الأركان عظيم القدر.
٤١) مجادلته.
٤٢) الغامر من الأرض خلافُ العامر وهو ما غمره ماء أو رمل أو تراب وصار غير صالح للزرع.
٤٣) يستكشفها.
٤٤) صلاح الأصل.
٤٥) المروءة، العظمة، الحماسة.
٤٦) الانصراف عن الشيء، الزهد فيه، الإعراض عنه ...
٤٧) المعايب، النقائص.
٤٨) موضع فخرهم، أو علته وسببه.
٤٩) يحق عليهم، يجب عليهم، أو يحسن لهم أو بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>