للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢) وفود الوعظ والإرشاد]

من سُنن جمعية العلماء الحسنة أنها كانت توزع أعضاءها على مُدن الجزائر وقراها في شهري أغسطس وسبتمبر من كل سنة، وفي شهر رمضان المعظم؛ يُثَبِّتُون- بدُرُوسِهِم- المهتدي، ويَهْدُون الضال، ويذَكِّرون الجميع بواجباتهم الدينية والدنيوية. وقد كانت جريدة البصائر تنشر أسماء أولئك العلماء، والمناطق التي عُيِّنُوا فيها، وتحض الشعب على الإقبال على هذه الدروس. وقد حدَّد الإمام الإبراهيمي في أحد مقالاته مهمة أولئك الوعَّاظ والمرشدين قائلاً: "عليهم أن يمَكِّنوا- ما استطاعوا- في نفوس السامعين معاني الشرف والرجولة، وشرف النفس، والاعتزاز بالإسلام والعروبة، فإن الإسلام جاء لجميع ذلك، وان سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائرة على ذلك، فالإسلام دين العزة والكرامة، والشرف والفضيلة، فمن لم يكن بهذه الصفات فإسلامه ناقص بقدر نقصانه فيها وإن صلى وصام وحج البيت ماشيًا" (٥٢). وقد وصف المؤرخ الفرنسي شارل روبير آجرون تلك الوفود بالوفود "السياسية- الدينية" (٥٣)، لأنها لم تكن تقتصر في دروسها على القضايا الدينية بمعناها المتعارف عليه، ولكنها كانت تتجاوز ذلك إلى القضية الوطنية، فتنَبِّه العقول، وتوقظ الشواعر، وتهيِّءُ النفوس ليوم لا ريب فيه يحق الحق ويبطل الباطل. وقد كانت السلطات الفرنسية تراقب- بواسطة عملائها- أولئك العلماء، وتسجل أقوالهم، وترصد الأفكار التى ينشرونها بين الناس، ومن ذلك ما سجلته مصالحها الأمنية من أن الشيخ عباس بن الحسين - عضو المكتب الإداري لجمعية العلماء- ألقى خطابًا يوم ٣ سبتمبر ١٩٥٤ بمدينة نَدْرومة جاء فيه: "لا تعتقدوا أن الجزائر نائمة، إنها تناضل في سرية، كما ناضلت تونس والمغرب، وخلال شهر أو شهرين- وفي جميع الأحوال قبل سنة- ستنهض مثل جميع الدول العربية ... وأنه من هذه المساجد سيخرج جنرالاتنا، وقادتنا الحربيون، وجيشنا" (٥٤).

ولذلك فكثيرًا ما كانت السلطات الفرنسية تمنع أولئك العلماء من إلقاء الدروس، وتقود بعضهم إلى مخافر الشرطة للاستجواب الذي ينتهي ببعضهم إلى السجون.

رابعًا: المجال الديني:

إن القضية التي صال فيها الإمام الإبراهيمي وجال، وكتب فيها وقال هي قضية تحرير الدين الإسلامي من سيطرة الدولة الفرنسية، التي كانت تعتبر إشرافها على الدين الإسلامي "مسألة جوهرية"، خرقت لأجلها دستورها الذي ينص على أن فرنسا دولة لائكية.


٥٢) انظر مقال "دروس الوعظ في رمضان" في الجزء الثالث من هذه الآثار.
Ch. R. Ageron: Histoire de l'Algérie Contemporaine. Paris. P.U.F. T. ٢. ١٩٧٩, P. ٥٨٢ (٥٣
Jacques Carret: l'Association des Oulamas d'Algérie (p.٢١ et ٢٣, S.D., S.E.) (٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>