للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤبّنه بكلمة، فعوّض ذلك برسائل تعزية كتبها إلى إخوانه بثَّ فيها حزنه للمصيبة، وصوّر فيها آثارها، ولم تنسه الفجيعة ما يجب من النصائح بالثبات، واستمرار السير، فجاءت رسائلَ من ذلك الطراز الساحر الذي لا يحسنه إلا الإبراهيمي، ولا أدري أيحتفظ إخواني بتلك الرسائل الفنية أم ضيّعوها؟!

ولما مضت على موت الأستاذ سنة، ورفيقه لا يزال في المنفى، أرسل الرَّئِيسُ الجليل من منفاه هذه المقامة إلى مقيمي الذكرى الأولى لابن باديس وتلاها في حفل مختصر كاتب هذه الكلمة، فأبكت العيون، وجدّدت الأسى.

رغبنا إلى أستاذنا أن ننشر هذه المقامة في ذكرى هذه السنة، إذْ كان عاجزًا عن كتابة كلمة خاصة بها لمرضه واشتغاله، فأذن- أبقاه الله- بعد امتناع لأن أستاذنا- حفظه الله- لا يرى السجعَ معبّرًا عن النوازع العميقة، وإن كان هو، إمامَ العصر بلا منازع في هذه الطريقة الأندلسية البديعة التي لا يحسنها إلا من جمع بين الطبع والصنعة، وملك أزمة اللغة والغريب ... وحلّت في الأخير رغبتنا منه محل القبول، حرصًا على هذه المقامة أن تضيع إن لم تسجّل، وكم من نفائس مثل هذه المقامة، وكم من رسائل، وكم من تحف فنية من أدب الهزل والنكتة، وكم من ملاحم شعرية، بلغت الآلاف من الأبيات! ما زالت مطمورة في أوراق الأستاذ، وفي حافظته العجيبة، وإذا لم يحرص أمثالنا من تلامدة الأستاذ على استخراجها ونشرها ضاعت، وخسر الأدب والعلم خسارة لا تعوّض، وها هي ذي المقامة الباديسية، وننبِّه إلى أن الأستاذ حذف منها كثيرًا مما لا تسمح الظروف بنشره.

تلمسان

محمد الغسيري

...

سلام يتنفس عنه الأقاح بإزهاره وايراقه، ويتبسم عنه الصباح بنوره وإشراقه.

وثناءٌ يتوهج به من عنبر الشجر عبيره، ويتبلج به من بدر التمام، على الركب الخابط في الظلام، منيره.

وصلوات من الله طهورها الروح والريحان، وأركانها النعيم والرضوان. وتحيات زكيات تتنزل بها- من الملإ الأعلى- الملائكة والروح، ونفحات ذكيات تغدو بها رسل الرحمة وتروح، وخيرات مباركات يصدّق برهانُ الحق قولها الشارحَ بفعلها المشروح.

<<  <  ج: ص:  >  >>