للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل عام. ومن فاتته السلطة النافذة في صميم وظيفته، التمسها بالتصنع والانتحال، وانتجعها في المراعي البعيدة.

ثم جاءت الحكومة في الأخير لتستغل ما زرعت بذوره، وغرست جذوره. وكان صوم هذا العام هو مصنع التجربة ...

هذه هي وظيفة القاضي مقيّدة محدودة. أما المفتي فإنه لم يذكر في الكتاب. ولا مفتي في الإسلام بهذه الصورة. وإنما الفتوى في الدين واجب مشاع بين علماء الدين، وإذا كان خلفاء بني أمية يقيمون في مواسم الحج الأكبر مناديًا ينادي لا يفتي في الناس إلا عطاء، أو لا يفتي في الناس إلا طاوس، وإذا كانوا يقولون لا يُفتى ومالك بالمدينة، فما ذلك إلا أنه عطاء وطاوس ومالك ...

ونحن نسمّي حادثة هذا العام مهزلة حكمًا بالظاهر، وقياسًا على ما كان يقع في الأعوام الماضية من التلاعب وتقوية أسباب الخلاف بين جماعات هذه الأمّة المسكينة. أما في هذا العام فهي مهزلة ومكيدة معًا. فقد دلّت القرائن على أنها مكيدة مدبّرة محبوكة الأطراف، اشتركت فيها عدة هيئات وأشخاص أولها الهيئة الحكومية، وآخرها هيئة الأهلة والأعياد، وبينهما ما شاء الهوى من وسائط وأدوات. منها راديو الجزائر الذي بادر إلى النوم، كأنما كان هو واللجنة فيه على ميعاد، ولا نبرئ راديو تونس في هذا العام، فقد رأيناه يتثاءب ويتمطّى ويتناوب ويضيق به الصبر فتسكت نامته، وآذان سامعيه معلّقة به. كأنما سرت إليه نفحة من وحي الجزائر.

وهكذا تقوم الشواهد كل يوم على أنه لا ثقة بهذه المصالح والهيئات التي لا تتحرك ولا تسكن إلا بالوحي والإيعاز، ومنها مرصد (بوزريعة) الذي يعتمد عليه الشيخ القاضي ويقول عنه لسان حاله: إنه حيث لا هلال في المرصد، فلا هلال في السماء. ونحن لا نثق ببوزريعة ولا بمكبراته، ومتى كان بوزريعة مصدر شريعة؟ ومتى كان مصدر وحي بالصوم والإفطار؟

إن الرصد علم. لم يبلغ بنا الجمود أن ننكره. ولكن الاستعمار يفسد العلم بإفساد العلماء. ويوم يجمع علماء الإسلام على الرجوع في الصوم إلى الحساب والترحيل يكون لهم في علماء الفلك منهم مندوحة عن مراصد الاستعمار التي يشيّدها، ويقيّدها. وعن علمائها الذين لا يسميهم حتى يسممهم.

أصل هذه المهزلة أو المكيدة، وعفتها التي سهّلت على مرتكبيها ارتكابها مهزلة أخرى صنعها الاستعمار صنعًا ليذرّ بها الرماد في العيون، فقد شرع في العام الماضي قانونًا يقضي باعتبار الأعياد الإسلامية أعيادًا رسمية تعطل فيها المصالح والأعمال. ومن ذلك اليوم زيد في اسم (لجنة الأهلة) سطر وهو (والأعياد الإسلامية الكبيرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>