للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنفطر له قلوب الجبابرة، وتقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم بالغيب، ومن بيان لسنّة رسوله يجتثّ الشرور من النفوس، ويقمع الأهواء في الأفئدة، ويزدجر به دعاة البدعة، ومن نصائح للمسلمين لا يرهب فيها ذو سلطان لسلطانه ولا يدهن فيها غني لأجل غناه، ومن تقريع للظالمين، واستعداء على المبطلين، وتقرير لمصالح المسلمين.

وهل الأصوات التي تتخافت اليوم في مساجدنا كفيلة بذلك محقّقة لحكمة المساجد في الإسلام؟ وهل يرتفع للمساجد صوت وهي في قبضة الاستعمار؟ وهل يؤدّي المسجد اليوم جزءًا مما كان يؤدّيه في أيام السلف الأبرار؟ وهل يحقق وظيفته وهو محروم من أصوات العلماء الأحرار؟

أسئلة نوجّهها للمبتدع لهذه التسمية، فلا يجيب عليها بالتعمية.

أم يقول: إن صوت المسجد هو صوت "النائحة المأجورة" ... صوته الذي يتشاجى به، ويتباكى فيه، في خطبه الجمعية التي تُرْدَى (تذاع بالراديو) وما يسبقها من أصوات تصف تنقلاته خطوة خطوة إلى أن يركب على أعواد المنبر؟ فقد حكى الحاكون من ذلك العجب العجاب.

وبعد، فإن التفسير الصحيح لصوت المسجد هو هذه الأصوات المنبعثة من قلوب الأمّة، المطالبة بحرية المساجد وأوقافها، وسيتردّد صداها، حتى تبلغ مداها، وإن شذَّ عنها صوت العاصمي. ومن يضلل الله فما له من هاد. وكيف يهدي الله قومًا يقول أحدهم: (إنه لا يبالي بأحد، ما دام يصلّي الركعة بمائة فرنك؟) ولا شك أن ركعة المفتي أغلى، وإن لم يكن وزنها عند الله أثقل.

أفمن هؤلاء (المسعرين) الذين يزنون دين الله بالفرنكات، يُرجى أن يرتفع للمسجد صوت؟ ونحمد الله أن عددهم قليل في الأئمة، ذليل عند الأمّة.

أما والله لو نطق المسجد لقال لهؤلاء: إليكم عني: فلست منكم ولستم مني.

أما مقالات المجلة فإني لم أقرأها، ولا شأن لي بها، وإنما أحكم عليها بمثل حكم صاحب المجلة عليها، وهو أنه لا عبرة بها، لأن غرضه الأساسي هو شيء اسمه مجلة، اسمها صوت المسجد، يتخذه سلّمًا لدرجات من الجاه يتطلعّ إلى بلوغها، وأسآر من المال يتحرق على ولوغها. وإذا حصلت المقاصد، فعلى الوسائل العفاء.

وقد سمعت البارحة شيطان رؤبة ينشد أرجوزة في تقريظ المجلة وصاحبها وخانتني الحافظة فلم أحفظ منها- مع الأسف- إلا قوله:

ألم تروا ما قاله في الأعرج (٤) ... فكل ذاك خارج من مخرجي

فحسب قرّاء المجلة لذة أن ما فيها خارج من مخرج الشيطان. فليذوقوا أو فليتركوا ...


٤) الأعرج: هو الإمام الإبراهيمي نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>