للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبل، جاء الخير وتحققت المصلحة، كما كان ذلك في الطور الأول للإسلام، والصدر الأول من المسلمين، وإذا عتت السياسة عن أمر الدين طغت العواطف على العقول، وكانت الفتنة والفساد الكبير، وهذا هو الواقع في هذا العصر.

وعصرنا هذا عصر سياسي، لا يدور فلكه إلا على السياسة. وأركان الحياة فيه مدبرة بهذا الطبع الخامس الذي يسمّى السياسة. ونحن قد نستسيغ تأثر الاقتصاد بالسياسة، لأنه منها كالخادم والمخدوم، ولأن بينهما روابط يوثقها لؤم المطامع، وقد نستسيغ- كذلك- تأثر العلم بالسياسة، وجعلها إياه إحدى الوسائل للكيد والاحتيال، لأن العلم لا دين له، بآية أن الناس عرفوا علم الدين، ولم يعرفوا دين العلم. وهذا العلم قد وسع الكون حتى ضاق، وانتقل من نبش الأرض إلى السبع الطباق، فكيف يكون له حد يقف عنده؟ أم كيف يكون له دين وقد داخله من الغرور، مازين له الشرور؟ وقد غرّ العقول التي كانت آلته فدانت له بنوع من الألوهية غريب؟

يستسيغ العقل هذا مجبرًا كمختار، ولكنه يرى أن السماجة السمجة هي تدخل السياسة في الدين، وأن تجعل من روحانياته السماوية مهابط لماديتها الأرضية، وأن تتخذ منه آلة لأغراضها الخسيسة، وأن تسخر رجاله لخدمة ركابها، وهذا بعينه ومينه ما هو واقع في الجزائر.

...

كان الخلاف في الصوم والإفطار أمرًا دائرًا بين المسلمين في هذا الوطن يسبّبه جهل العامة، أو تعصب الفقهاء، أو تباعد الأمكنة، وقد تزيّنه سماحة الدين ويسر تكاليفه أحيانًا، وكنا- على ذلك- ننكره ونعدّه شرًّا على الأمّة، وسبيلًا إلى التفرق في الدين، ونعمل للتوحيد فيهما ما نستطيع، بالعلم الذي يرع الجهل والتسامح التي يميت التعصب، والتعميم الذي يزيل التباعد. وكدنا ننجح في توحيد الأمّة على يوم واحد للصوم والإفطار، حتى يزدان جمال العبادة بجمال الاتحاد فيها، والتقرّب إلى الله بتقارب القلوب فيه. ولكن الحكومة الجزائرية التي تريد دائمًا أن تجعل من الدين الإسلامي دعامة لسياستها، وسلاحًا في أيدي ساستها. كبر عليها أن يبقى هذا الركن الإسلامي مفلتًا من يدها وخارجًا عن تصرّفها، بعد أن هيمنت على الصلاة والحج، فكوّنت- لسنوات خلت- لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية من موظفيها الذين يدينون بطاعتها قبل طاعة الله، ويخضعون لأمرها وإن خالف أمر الدين، ثم وضعت في أيديهم لعبة يفتنون بها الصائمين والمفطرين، وهي اعتبار الأعياد الإسلامية رسمية تعطل فيها المصالح، ويستريح الموظفون والعمال، لتضلّهما عن الهدى، وتستزلهما عن الحق،

<<  <  ج: ص:  >  >>