للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهد عبد الحميد بن باديس *

من الأعمال ما يبيّض أوجه العاملين، في الدنيا بالذكر الحسن وفي الأخرى بالجزاء الحسن الأوفى. وهذا المعهد من الأعمال التي تبيّض وجه الأمّة الجزائرية، وتعلي ذكرها في التاريخ وتغلي قيمتها بين الأمم، وتذكّر بها إذا ذكرت الأمم بأعمالها وتباهت بالجلائل من تلك الأعمال.

لا يزكو لأمّة عمل، ولا يثقل وزنه، ولا يجيز لها التاريخ أن تفاخر به، إلا إذا كان من كسب يدها، وكان مما عملته لنفسها بنفسها، اجتهادًا لا تقليد فيه، واستقلالًا لا تحكم فيه، وملكًا لا استعارة فيه. والمعهد الباديسي- قبل كل شيء وبعد كل شي- من عمل الأمّة لنفسها، شادته بمالها على قلة في المال، وعمرته برجالها على فقر من الرجال، وحبسته على أبنائها ليعصمهم من منكرات المعاهد، أو لينقذهم من تنكر المعاهد، وسيرته في ليل من الأحداث داج، وفي جو من الأعاصير أدكن، وفي بحر من السياسة ورجالها هائج، وفي مجتمع متشابه فجاج الفكر، متقارب القلوب على الشر والنكر، وفي غواش من الفتن متلاحمة، وجماعات من البشر غير متضامنة ولا متراحمة. ولم تعتمد في تكوينه إلا على الله ثم على نفسها، ثم على العرق الأصيل من جنسها، والقوّة الكامنة من دينها. فجاء عملًا خالصًا منها لها لم تشبه بشائبة اعتماد على حكومة تصرّفه على أهوائها، ولم تشنه باعتماد على شخص يستغله في مطامعه. وكان- لذلك كله- عملًا طيّبًا مباركًا، يعليه بُعد الهمّة ويحوطه بعد النظر، وتسيّره قوة الإيمان، وتزيّنه لمحة الاستقلال، وتسمه النية الصالحة بسماتها، وتظهر في آثاره البركة والنماء، ويعرف الخير واليمن في أواخره كما عرفا في أوائله.


* "البصائر"، العدد ٨٥، السنة الثانية من السلسلة الثانية، ٤ جويلية ١٩٤٩م.

<<  <  ج: ص:  >  >>