للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها الإخوان: إن للثقافة الإسلامية ماضيًا مشرقًا وحاضرًا مظلمًا، فهل لكم يا أنصار الثقافة أن لا تقصروا جهودكم وأبحاثكم على ماضيها، وهل لكم أن تعطوا مستقبلها الحظ الأوفر من عنايتكم، فتخطوا لمستقبل الثقافة الإسلامية معالم جديدة يهتدي بها الجيل الجديد.

إن هذا الجيل الجديد من أبنائنا واقف في مفترق طرق لا يدري أيها يسلك وقد فتح عينيه على زخارف تستهوي من الثقافة الغربية، وقد أصبحت هذه الثقافة أقرب إلى عقله وذوقه لما مهّد أهلها ودعاتها من المسالك إلى النفوس، ولما تنطوي عليه من المغريات والمعاني الحيوانية، ولما فيها من موجبات التحلل والانطلاق، ولما تزخر به من الشهوات وحظوظ الجسد، ولما يشهد لأهلها من شهود العلم، وهو يفتح عينيه كل يوم منها على جديد.

أما الثقافة الإسلامية التي هي أحق به وهو أحقّ بها فقد أصابها من الجمود والركود ما جعلها بعيدة من عقله، غريبة عن ذوقه، نافرة من إحساسه، وما ذلك كله إلّا من سوء ما صنع الأب، وما صنعت الأم، وما أثّر الكتاب، وما طبع المعلّم، وما اقترف المجتمع، حتى أصبح الناشئ يحتقر أبويه، ويستحي من جنسه، ويسخر من دينه، وما بينه وبين أن يتنكّر لهؤلاء جميعًا إلّا أن يطلع على شيء من آداب الغرب، أَوْ يُلِمَّ بشيء من لغات الغرب ومجتمعات الغرب.

إن المظهر البارز للثقافة الإسلامية هو كتبنا وعلومنا ومناهج الدراسة عندنا وأساليب البحث وطرائق التربية، ومن الكذب على الله وعلى الحق أن نزعم أن الكتب التي ندرسها، والمناهج التي نسلكها تحقق المعنى العالي للثقافة الإسلامية.

وإن الثقافة، إذا تحقق معناها العرفي الواسع مسايرًا لمأخذها اللغوي الضيّق، تلابس النفوس، وتتغلغل إلى المكامن، وتدبّ إلى السرائر، فتجتث من الفرد أسباب النقص ومن الجماعة آثار الركود، وتفيض على الجميع روح الحياة، يصبحون بها صالحين للحياة.

وإن أكبر امتحان تمتحن به الثقافة الإسلامية في أدوارها الأخيرة أن نقتطع في تاريخ الإسلام صحائفه الأخيرة، وهي خمسة قرون ونصف قرن وننظر ماذا تحدر إلينا من أهلها من الآثار والأعمال، وقد نجد عشرات الألوف من المؤلفات، أقلّها السمين، وأكثرها الغثّ، فتكون النتيجة أننا أضعنا خمسة قرون ونصف قرن في الأقوال من غير أن نعمل شيئًا.

هذه الآثار القولية ظاهرة في الشروح والحواشي والتعاليق المملوءة بالجدل اللّفظي العقيم، فأين الآثار العلمية في هذا الانحطاط المريع في الأخلاق، وهذا الزيغ الملحد في العقائد، وهذا الوهن في العزائم، وهذا الاستسلام الذي أفضى بنا إلى الاستعباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>