للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدري من أية النواحي يتملكك العجب؟ أمن فصاحة لسانه؟ أم من بلاغة كلامه؟ أم من توليد المواضيع وسبكها؟ أم من أزهار المعاني تتفتق عنها أكمام الألفاظ المنتقاة؟ أم من طواعية اللغة للسانه وطواعية لسانه للغة؟ ورأيت كيف يستخدم الأدب الفلسفة، وكيف تستعين الفلسفة بالأدب، فيجريان كفرسي رهان من شباة قلم الإبراهيمي الجبار، أو من لسانه القئول الصئول، ورأيت كيف تكون روعتهما مسخرين لخدمة الحق، مؤيدين للحقيقة، ناصرين لجنود الخير، وقلت معي: سبحان الذي يؤتي الحكمة وفصل الخطاب من يشاء ويحرمهما من يشاء.

أقدم هذه الكلمة بين يدي محاولة أرجو أن أوفق فيها إلى تقديم شبه صورة للخطاب الجامع الذي ألقاه الأستاذ الرَّئِيسُ الإبراهيمي غداة افتتاح مسجد قرية "الحنايا" ومدرستها، وإني- حين آمل متابعة الأستاذ في اختصار أو اختزال ما يلقي- لواجد عنتًا كبيرًا، فقد شكا الشاكون قبلي ممن حاول مثل ما حاولت أنهم يؤخذون بروعة المسموع عن مواصلة الكتابة لأن معانيه كلها أبكار، ومواعظه كلها حكم نفيسة، وحكمه كلها غوال، وأطرافه- إن كان لكلامه أطراف- كلها طرائف نادرة.

وقد اعتمدت في هذه المحاولة على ما سجله الشيخان عبد الوهاب بن منصور وعبد الرحمن غريب مضافًا إلى ما سجله قلمي الضعيف الواني، فإن قاربت الإصابة فالفضل لهما، وإن قصرت فالوزر علي وحدي ...

قال الأستاذ العظيم- بعد الجمل التي اعتاد أن يفتتح بها خطبه ودروسه في الثناء على

الله والصلاة والسلام على رسوله-:

أيها الإخوان، أيها الأبناء:

إنني كلما استعرضت حال هذه الأمة في فكري، أو عرضت نفسها على عيني قصدًا في المحافل، أو عفوًا في المجامع والأسواق- تلوح لخاطري آية من كتاب الله تنطق بسننه المطردة في الأمم والقرون، وقد لاح لي عندما اعترضتني اليوم هذه الجموع الحاشدة، بل هذه الوفود الراشدة، في أقصى القرية- آية هي من دلائل قدرة الله على البعث الأخير، ومن الحجج الدامغة على منكريه ولكنها- مع ذلك- قريبة الخطور في أذهان المتفائلين مثلي بالبعث الأول في هذه الحياة الدنيا.

تلك الآية هي قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}.

لاحت لي آية البعث من القرآن عندما لاحت لي آية الانبعاث منكم، فأجلت بصيرتي

في الأولى، عندما أجلت بصري في الثانية، فما زادت الثانية الأولى إلّا تمكينًا وتثبيتًا، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>