للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما بكينا على ميت فارق هذه الحياة، ولا فرحنا بمولود يستقبل هذه الحياة ... لوكنا عقلاء حقا لعكسنا هذه القضية وتبادلنا التهاني على الموت، لأن الميت خفف ثقلأ على نفسه وأهله وعشيرته وأمته، ولأن الحي امشراح من عضو أشل كان يئوده كما تئود اليد الشلاء صاحبها، فمن الخير له قطعها بعد أن أصبحت لاكاسبة ولاكاتبة، ولوكنا عقلاء حقًا لما تهللنا للمولود منا يستهل على ما نحن فيه من حياة باثسة، ولو أن الجنين في بطن أمه طرقه البريد بخبر من أخبار هذه الحياة التي نحياها وكان له اختيار لآثر البقاء هناك حتى يموت اختناقًا.

أيها الإخوان، أيها الأبناء:

إن يومكم هذا عنوان على الحياة ورمز إليها، وان هذه المؤسسة المباركة بمسجدها ومدرستها مزرعة للحياة فتعاهدوها بالعناية، وإن هذه المدارس التي تشيد في كل يوم حصون للعربية والإسلام، وهما أساس الحياة السعيدة، وإن إخوانكم مصلحي الحنايا قد أروكم مصداق انبثاق القوّة عن الضعف، وتصديقًا لعاقبة الثبات على الحق، وأروكم مثالًا مصغرًا لبداية الحياة، فإن أردتم أن تحيوا فاطلبوا سعادة الحياة، أوْ لَا، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها وأروح، إن حياتنا الحالية أثقال متوالية، فلا ترضوا بزيادة الثقل وخففوا ما استطعتم، والعلم العلم فنعم آلة التخفيف هو.

ليت شعري ماذا نورث أبناءنا من هذه الحياة بقسميها المادي والمعنوي؟ أنورثهم الأرض؟ وليس بأيدينا شيء منها، أم نورثهم المال؟ ونحن أفقر من عليها؟ أم نورثهم الدين وحقائقه وآدابه؟ وقد نبذناه ظهريًّا، واتخذناه سخريًّا، وغطيناه بالبدع والأوهام، أم نورثهم الحب والتآخي؟ وبعضنا لبعض عدو، يتجسس عليه ولبيعه بالثمن البخس، ولحسده على ما لا يتحاسد عليه العقلاء ولا المجانين.

هذه هي الحقيقة، ومن أخبركم بغير هذا فقد غشكم وكذبكم.

أنتم تزعمون أنكم تحققون حكمة الله من الزواج، ولكنكم لم تفقهوا الحكمة وما دمتم

لا تفهمون الحال، فلن تفقهوا المآل، وما دمنا في غمرة ساهين، وعن الحقيقة لاهين، فكذب ما تخبر به الألسن في قول الناس: (انهم بخير).

وما دمنا نعتقد أن حياتنا حياة، وأن ديننا هو دين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وما دمنا لا نتصور أحوالنا كما هي في حقيقتها- فإننا بعداء عن النجاح.

أما إذا رجعنا إلى العقل الصحيح نستشيره، وإلى الدين الصحيح نسترشده ونسير على هديه، وإلى الناصحين منا نأتم بهم- فليوشكن أن يغير الله ما بنا بعد أن غيرنا ما بأنفسنا، وأخذنا بالأسباب نتذرع بها للمسببات، ونبذنا التواكل الذي ينافي الدين والدنيا كمن طمع في الحصاد وهو لم يزرع، أو في الأولاد وهو لم يتزوج.

<<  <  ج: ص:  >  >>