للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ثم التفت الأستاذ الرَّئِيسُ إلى الأستاذ الشاعر وقدّمه إلى المذياع فألقى قصيدته العامرة بالحكم ومطلعها:

أراكَ- بلا جَدْوَى- تضج من الظُّلْمِ ... إلى العِلْم- إنْ رُمْتَ النَّجاةَ- إلى العِلْمِ

وقوطع في أثنائها عدة مرات بالتصفيق والاستعادة. وبعد انتهائه من الإلقاء عاد الأستاذ الرَّئِيسُ إلى الكلام فقال ما معناه بالكثير من ألفاظه:)

الخطباء في الدنيا أنواع، وقد تعوّدتم أن تسمعوني خطيبًا فتتأثرون بما أقول أو لا تتأثرون، كاستماعكم إلى كل خطيب، وإني أقدّم لكم اليوم خطيبًا لا كالخطباء، أحيلكم على خطيب هو أفصح مني لسانًا وأوسع بيانًا وأقوى حجّةً وأبلغ تأثيرًا، أحيلكم على خطيب صامت تستمعون إليه بأعينكم لا بآذانكم، وتفهمون عنه بقلولكم لا بعواطفكم،

وقد تنطق الأشياءُ وهي صوامت ... وما كلّ نطق المشبرين كلامُ

هذا الخطيب المفصح المبين هو هذا البناء الشامخ الباذخ الذي يحدثكم عن نفسه فيُعْرِب، ويحدثكم عن أنفسكم فيُطرِب، ويحدثكم عن الخصوم فيدمغ باطلهم ويدحض حججهم، ولئن اعتدنا كثرة الكلام وقلّة الأعمال، فمن واجبنا اليوم أن نسكت ونمتّع النفوس بلذّة العمل وثمرات العمل، وأن نعطي للعين حظّها من المتاع وللسان حظه من الراحة.

إن جمعية العلماء لا تخاطبكم إلّا بهذه الألسن، فهي تبني، ثم تقول للناس: هاؤم انظروا أَعْمَالِيَهْ ... ، على هذه القاعدة سارت منذ نشأت، وبهذه القاعدة نجحت واطرد سيرها، ففي كل يوم رأي يقرّر وعزيمة تفرى ومدرسة تُشيّد، وعلى هذه التربية الصالحة قام رجالها وأنصارها يعملون ثم يقولون، فيكون لقولهم سناد من العمل يقطع الخصم، ويُسكت الألسنة الكاذبة ويضرب للأمة الأمثال، وعلى هذه القاعدة جرى الأمر هنا: فقد قام رجال الجمعية بالبناء كالمعتاد، وقدّموا أملاكهم ضمانًا للسداد، وقدّمتهم للعظائم فتقدموا بلا نكول ولا تردّد، فلمّا تم العمل دَعَوْتُكم للمساعدة والعون، دعوتكم والشاهد في يدي، والبيّنة حاضرة، والعمل نقد لا وعد، وما هذه بأوّل مدرسة تبنيها جمعية العلماء، بل سبقتها عشرات المدارس في العمالات الثلاث (وهنا عدّد الأستاذ الرَّئِيسُ المدارس الضخمة التي شيّدتها الأمة بإرشاد جمعية العلماء وتحت إشرافها، ثم قال:

فهذه المدارس هي حصون الإسلام الحصينة، ومعاقل العربية المنيعة بهذا الوطن، ولولا فضل الله علينا ورحمته وحفظه لكتابه ولغة كتابه لما زكا منا عمل، ولا تحقّق لنا أمل، ولما تمّتْ هذه الأعمال العتيدة، ونحن بهذه الحالة من الضعف والهوان، وقفة الأنصار والأعوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>