للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمس فيها بجانب من جوانبه فيقتبس الجزء المقدّر له من نورها، وهو نصف سبع، بل يطلع مغمورًا بنورها، ويغرب مغمورًا بنورها، فلا يراه أحد في الصباح ولا في المساء، وهو معنى المحاق، فإذا طلع قبلها، فلا بدّ من غروبه قبلها، كما هي سنته في جميع أيام الشهر، وإذا جوزنا رؤيته صباحًا ومساءً في اليوم الأخير من الشهر، لزمنا تجويز ذلك في جميع أيام الشهر، وهذا محال في عالم الواقع، ومما يمنع ذلك وينقضه أن الهلال الذي يرى صباحًا هو هلال الشهر الماضي، والهلال الذي يُرى في المساء هو هلال الشهر الآتي، ولا يجتمع هلالا شهرين في يوم واحد، ولا يوزّع يوم واحد بين شهرين، إلا إذا كان هناك هلالان، أو كان في النظام الشمسي اختلال، وإن هذا كله لمحال في سنّة من قدر القمر منازل، وجعل الشمس والقمر بحسبان، وحاش سنن الله في الدين والكون أن تتناقض هذا التناقض، وكلام الفقهاء في هذه القضية كلام فقهي، ومن محاسن الفقهاء أنهم يرجعون في كل شيء إلى أهله، كما رجعوا إلى الأطباء في أشياء، والحكم في هذه القضية علماء الفلك، وقواعد الفلك كقواعد الحساب والهندسة، كلها قطعية، والرجوع إلى القطعيات اليقينية من مقاصد الدين الإسلامي.

٦ - اختلاف المسلمين في الصوم والإفطار بعد عموم الخبر بالرؤية قبيح جدًا، ولو مع التأول، لأنه يذهب بجمال الشعيرة، ويطمس أعلام الحكمة فيها، ويغطي على روعة الاتحاد، ويباعد بين القلوب، ويغرس فيها بذور النفرة، ويعين شياطين الفتنة من الإنس والجن على تقطيع الروابط بين المسلمين، ويجلب استخفاف الأجانب بالمسلمين وبدينهم، ولأنه- مع ذلك كله- نوع شنيع من التفرّق في الدين، الذي أمر الله نبيّه بالبراءة من فاعليه والمتسبّبين فيه.

٧ - من أقبح القبائح اعتبار التقسيمات السياسية أو الجغرافية بين الأقطار الإسلامية في قضية دينية كهذه، فيصبح للمغرب صوم وعيد، وللجزائر صوم وعيد، وهكذا، وأي دليل يأخذه الاستعمار على أننا أمم شتّى لا أمّة واحدة أكبر من هذا؟ إنها أكبر حجّة علينا، نقدّمها بأنفسنا.

٨ - الإنصاف أن نعمل برؤية الأقطار الإسلامية، وتعمل هي برؤيتنا، ولكن ليس من الإنصاف أن يعطينا إخواننا شهادات مبنية على أصول إسلامية واعتبارات شرعية، ومؤهلات دينية، ويأخذوا منا شهادات على يد لجنة كوّنتها حكومة استعمارية لغايات ليس منها الدين، وما أحقّنا بقول القائل:

وَلِي كَبِدٌ مَقْرُوحَةٌ مَنْ يَبِيعُنِي ... بِهَا كَبِداً لَيْسَتْ بِذَاتِ قُرُوحِ؟

أَبَاهَا عَلَيَّ النَّاسُ لَا يَشْتَرُونَهَا ... وَمَنْ يَشْتَرِي ذَا عِلَّةٍ بِصَحِيحِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>