للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دامت اللجنة من أدوات العاصمة، وما دامت تكميلًا لأجهزة لازمة للعاصمة، وتعميرًا لركن خال من "دار العجائب" (٢) فيها.

إن السماجة التي لا يستسيغها ذوق هي اعتبار القطر الجزائري وحدة دينية بحدوده الجغرافية، وأسمج من هذا وأسخف، اعتباره وحدة (هلالية)، فإن أطرافه الشرقية هي أقرب إلى تونس منها إلى الجزائر، وكذلك يقال في الأطراف الغربية بالنسبة إلى فاس، ولا أسمج من هذين إلا اعتبار لجنة الأهلة للعاصمة وحدة (صومية) أو (إفطارية).

...

وثبت رمضان بالثلاثاء في مصر وتونس وبلغتنا أخبار الرؤية بالطرق الشرعية فعممناها بما نستطيع، وأصبحت عمالة قسنطينة على صوم، إلا شراذم من المكابرين لايصومون لله وإنما يتبعون أهواءهم ويعاكسون أهل الحق، وصام على أخبارنا معظم العمالة الوهرانية، ولم تتخلّف إلا طائفة من الجامدين، أو ممن لم يبلغهم الخبر، ثم ثبتت رؤية الهلال في معسكر وفي سيق، وعمّ الخبر بها في صباح الثلاثاء فأمسك كل من كان مفطرًا، وأعلنها مفتي وهران رسميًا فأمسك أصحاب الصوم الحكومي، وأصبح معظم العمالة الجزائرية صائمًا إلا من لم يبلغه الخبر، أو لم يفارقه الجمود، وبقيت العاصمة ... وهي ميدان العراك ونقطة الاشتراك، في نظر اللجنة، وفي العاصمة خصائص، وفيها تيارات، وفيها الشطر الأول من هذا البيت: تسقط الطير حيث ينتثر الحب، وفيها مناخ القوافل التي ترد مثقلة، وتصدر مخفة، وفيها ملتقى أسباب الرغبة والرهبة، ومع ذلك فقد كان مركز الجمعية ومراكز الإصلاح خلايا نحل، أو قرى نمل. وما انصرف الناس حتى ثبت الصوم فبلغوا وعمّموا ما استطاعوا، وأصبح غالب سكان العاصمة صائمًا، ولم يفطر إلا المتساهلون المسترسلون في شهواتهم، يتخذون من بلاغ اللجنة في الراديو رخصة لأهوائهم، وحسب هذه اللجنة زللًا أن تكون قدوة لأصحاب الأهواء، وإننا لنعرف أن في هذا الجراد المنتشر في العاصمة، الذي نقله الاستعمار من الرقاع الخصيبة، إلى الرباع الجديبة، طوائف تكون دائمًا آخر من يصوم، وأول من يفطر، فلا تغترن اللجنة بأنهم أكلوا على ندائها، وشربوا على غنائها، ولا تغترن بأصحاب المقاهي وأصحاب المطابخ، فأولئك يعلمون من أمر هذه اللجنة ما يجهله كثير من الناس يعلمون أن البوليس السرّي والعلني من ورائها ومن أمامها، وأن كل من يخالف رأي اللجنة فقد خالف أمر الحكومة، وإنْ وافق أمر الله، وأن من وراء تلك المخالفة نزع الرخصة وانتحال الأسباب للتغريم، فهم مكرهون، في صورة مختارين.


٢) دار العجائب: الاسم الذي يطلقه بعض الجزائريين على المتحف.

<<  <  ج: ص:  >  >>