للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشرات السنين، ولو قارنا بين ما أجدى علينا هذا الانقطاع وما رزأنا لوجدنا الجدوى أرجح من الإضاعة، فلم تمر في تاريخ جمعية العلماء سنوات أبرك على الأمة وأعود عليها بالخير من هذه السنوات، فكأنهن البقرات السمان أو السنبلات الخضر في رؤيا يوسف غير أنهن خمس ....

على أن انقطاع الاجتماع العام لم يكن مخالفًا للقانون العرفي كما يتوهمه بعض الناس. بل كان مستندًا على أسناد قانونية متينة، فإن كثيرًا من أهل الرأي من الأعضاء العاملين والمؤيدين كانوا مجمعين في أول كل سنة من هذه السنوات على عدم لزوم الاجتماع العام محتجين بأن المجلس الإداري قائم بمشاريع عظيمة واسعة النطاق، تملك عليه وقته وتفكيره وجهده، ويستدعي إتمامها سنين من الوقت وملايين من المال، ومجهودًا متواصلًا من الأعمال، ويقتضي جمعًا بين أول الرأي وآخره، وبدء العمل وتمامه، فليس من سداد الرأي ولا من صواب التدبير تشويه الهيكل بتشويش العمل- وهو في انتظام أمره واطراد سيره- باجتماعات آلية يعطل اعدادها وقتًا غير قصير، ويستنفد مالًا غير يسير، بل من لباب الحكمة أن لا تختلف الأيدي المسيرة كيلا يختلف الرأي، وأن يبقى المجلس الإداري قائمًا على تلك المشاريع، حتى يقدم للأمة عملًا كاملًا، فما أضر الجمعيات والحكومات، وما عطل بناء الأعمال العظيمة فيها حسية ومعنوية إلّا هذه السنة السيئة، وهي أن يبدأ الأعمال ويضع لها البرامج والتخطيطات غير من يوكل إليه إتمامها، وما شل عبقريات الرجال إلّا عروض هذا الخيال، وهو أنهم يبدأون العمل على تدبير وتقدير، ثم يخلفهم عليه من لا يرى فيه رأيهم، ولا يفكر تفكيرهم ولا يوافق ذوقه ذوقهم، ولا يكون له من الهمّة في إنجازه ما لهم من الهمّة فيه، والأعمال همم وذمم وقيم.

أيها الإخوان:

تنقسم الأعمال التي باشرها المجلس الإداري لجمعيتكم في السنوات الخمس الماضية إلى قسمين: مشروعات ومواقف، وأهم المشروعات- المدارس و"البصائر" والمعهد الباديسي، وتضاف إليها حركة باريس ومكتب مصر، وأهم المواقف موقف الدفاع عن حرية الدين، والدفاع عن حرية التعليم العربي، ويتبع ذلك موقفه من قضايا العروبة والإسلام، وها نحن أولاء نتحدث إليكم عن هذا الأهم من المشاريع، مجملين في بعضها حيث لا فائدة في التفصيل، مفصلين في بعضها حيث يحسن اطلاعكم عليه. فإذا انتهينا من ذلك تقدمنا بإرشادات إلى المجلس الجديد فيما يجب عليه لاتصال العمل في هذه المشاريع وتقويتها والمحافظة عليها، وزودناه بخلاصة التجارب التي حصلنا عليها من المراس للحوادث، والمراس على المكاره والمصاعب، وان هذا لخير زاد يقدمه سلف لخلف، وأنفع ميراث يرثه خلف عن سلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>