للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذه الرموز، والألغاز، والإيحاءات، والإحالات دشن كاتب "عيون البصائر" هذا الفن الرمزي الجديد في الأدب العربي، في محاولة منه لاستنهاض الهمم وتبرئة الذمم، وسيجد الدارسون فيها دلالات على التاريخ وأبطاله، وإحالات على التاريخ العربي وأفعاله على أن هذا كله إنما كان موصولًا بالصراع الحضاري، والسياسي الدائر في الجزائر، ومنطقتها، بين الأحرار، والاستعمار الفرنسي.

لذلك كان حظ المثبطين، والمتقاعسين، والعملاء المندسين، حظ الأسد من كتابات الإمام الإبراهيمي ولا تكاد هذه المقالات تغفل فئة، أو تغطي على شخص، وإنما هي تجمع الجميع ضمن خندق واحد هو الخندق الاستعماري المضاد، لتضربهم في نفس الحجر الاستعماري الذي رضوا لأنفسهم أن يكونوا فيه ... ولقد وجدنا في الخندق المعادي أسماء، وعناوين، وسمات لأشخاص، وأحزاب، وتنظيمات، تباعدت مواطنها، واختلفت مشاربها، من الزوايا الحادة، إلى الأحزاب المنفرجة، ومن التنظيمات الدالة "إلى الشخصيات الضالة" ولكنها التقت جميعًا على محاربة الجزائر الحضارية الأصيلة كما جسدتها جمعية العلماء.

ففي مقال له عن مؤتمر الزوايا، بعد مؤتمر الأئمة، بقيادة الشيخ عبد الحي الكتاني المغربي، يختار المؤلف عنوانًا ذا إيحاءات عديدة هو: أفي كل حي ... عبد الحي؛ فيقول عن طائفة أهل الزوايا: "وعرفنا عن هذه الطائفة أنها كانت في تاريخ الاستعمار طلائع لجنوده، وأعمدة لبنوده، وشباكًا لصيده، وحبائل لكيده" [ص:٣٩٢].

ثم ينحو إلى زعيمها عبد الحي الكتاني فيقول عنه "وعرفنا في قائدها الجديد، وحامل رايتها عبد الحي الكتاني أنه كان كالدرهم الزائف لا يدخل في معاملة إلا كان الغش والتدليس واضطراب السوق" [ص:٣٩٣].

ولعل خير ما نختم به هذه المقدمة، النموذج الرائع للشباب الجزائري كما تمثله رائد الفكر الإسلامي مؤلف "عيون البصائر" فلقد رسم للشباب الجزائري مبادئ مضيئة، طالبهم أن يتخذوها قواعد لحياتهم فقال: "أتمثله مصاولاً لخصومه بالحجاج والإقناع، لا باللجاج والإقذاع، مرهبًا لأعدائه بالأعمال لا بالأقوال ...

أتمثله بانيًا للوطنية على خمس كما بني الدين على خمس، السباب آفة الشباب، واليأس مفسد للبأس، والآمال لا تدرك بغير الأعمال، والخيال أوله لذة وآخره خبال، والأوطان لا تخدم باتباع خطوات الشيطان ... يا شباب الجزائر هكذا كونوا ... أو لا تكونوا" [ص:٥١٧].

هذه إذن، سبحات فكرية، في خطاب "عيون البصائر" كما تراءى لنا، ولعل القارئ سيلحظ أننا لم نشر بالنقد للكتاب، لأننا وقعنا أسارى الجوانب الإيحائية الطافحة في

<<  <  ج: ص:  >  >>