للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- ٥ -]

إن بعض قيمة هذه المقالات أنها أرادت تأكيد معنى أساسي كان أبرز المعاني الجوهرية في حركة الإصلاح وفي حركة الثورة .. ذلك هو الرجوع إلى الأصالة: الدفاع عن دين الجزائر ولغتها وشخصيتها، وتثبيت ذلك في نفوس الأجيال الجزائرية التي كانت في المعركة أو التي كانت في الظل .. التي كانت تخوض المعركة ضد الاستعمار والتي كانت تتأهب لخوضها.

[- ٦ -]

ثم هي استمدت من الإسلام، روحه وعقيدته ونظامه، صفتها الكلية .. ولذلك فإنها لم تقتصر على الجزائر وإنما تجاوزتها إلى أكثر أقطار العالم الإسلامي التي كانت تكتوي بنار الاستعمار وتنزل بها نوازله .. فقد كتب عن تونس والمغرب، وكتب عن فلسطين سلسلة المقالات التي يقرأها الإنسان العربي الآن فيحس كأنما هي ابنة اليوم بهذا الذي صاحبها من صفاء وبعد نظر وعمق معاناة .. إنها تبدو بنت الأحداث في الستينات كما كانت بنت الأحداث في الأربعينات. لأن صاحبها تجاوز الجزئيات العارضة فيها إلى المشكلة الكبرى، واستبان له، في وضوح البصيرة، الأبعاد التي كانت تخفى آنذاك على الكثيرين.

ومثل ذلك ما كتب عن اليمن تحت حكم الأئمة، وما كتب في مواجهة الاستعمار أو في التهكم على عملائه أو في كشف عوراته وفضح نياته.

[- ٧ -]

إننا في العادة نتطلع إلى هذه الطائفة من رجالنا وعلمائنا الذين قادوا حركة الإصلاح وقدحوا شرارات الثورة الأولى وضمنوا لشعلة الثورة زيتها ووقودها من إيمان الشعب ومن اندفاعه ومن مشاركته الكاملة، على أنهم أبرز ما في التاريخ الجزائري الحديث .. ومن المؤكد أن شيئًا من ذلك لم يكن ليتوافر لهم لولا معنى الصمود الذي كان يملأ حياتهم .. إنهم لم يبدأوا المعركة ليتخلوا عنها وإنما بدأوها ليتابعوها بهذا العزم والتصميم واعتبار الاستشهاد غاية النصر .. ولذلك شُرّد منهم من شُرّد وقتل من قتل وأوذي من أوذي بدون أن يرهب عدوًا أو يلين لغاصب أو يخضع لتهديد أو وعيد .. وقد كان الشيخ رحمه الله أحد هؤلاء الذين شردوا وأوذوا وهددوا فما لانت له قناة .. وظل يجوب الجزائر طولًا وعرضًا، مثيرًا ومحركًا للجماهير ومصلحًا ومقربًا بين القادة، وداعيًا إلى التآخي الذي يهدر الجزئيات والذاتيات في سبيل الهدف الكبير .. وكان العلم هو المشعل الذي حرص على أن يتقد في كل مدينة، وإصلاح النفس هو الذي يجب أن يخالط كل جزائري، ونظافة المجتمع من الخرافات والبدع والضلالات التي

<<  <  ج: ص:  >  >>