للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد جاذبني أطرافَ هذه القضية في الأشهر الأولى من بداية الحرب كبير من رجال الحكم، كان يضم يديه على سلطة واسعة، مدنية وعسكرية، وألحّ عليّ، في صراحة- أن أخرج من الصمت إلى الكلام باسمي أو باسم الجمعية- (وهو يعني سكوتًا خاصًّا وكلامًا خاصًّا) فقلت له من كلام طويل: إننا كنا في السلم نتكلم فيُقلقُكم كلامُنا، وإننا سكتنا في الحرب فأقلقكم سكوتنا، ففي أيّ موضع نكون بين هذين؛ وتنبه ضميره الإنساني عند سماع هذا الكلام فلمحتُ عليه آثارَ الاقتناع، ولكن ضميره العسكري أبى عليه إلا أن يجرِيَ بالمسألة إلى آخر الشوط.

وإن الإنصاف ليتقاضاني- وقد مرت على المحاورة سبعُ سنين- أن أذكر له لطفَ الحديث وأدبَ الخطاب وتمجيد الصراحة، ولا أحاسبه على الضمير العسكري، لأنني أعلم أن الاستعمار يشرك بين الأقوياء والضعفاء في إفساد الضمائر.

...

هذا فصل قصير تحكيه «البصائر» من تاريخ حياتها الأولى ومن حسن الختام لتلك الحياة، فخورةً مزهوةً بأنها بذَّتْ أخواتها الشهيدات بما جلتْ من محاسن الإسلام والعربية، وبما جاهدتْ في سبيلهما، وبما مهدتْ للإصلاح الديني من عقبات، وبما لقيت في صراع الاستعماريْن الروحي والبدني من مكاره، وبما حوته حقيبتها من ذخائر العبر والتجاربب، وبما قدمتْ من صالحات لحياتها الثانية.

...

كنا نعلم مبلغ تشوّف الأمة إلى جريدتها، وكنا معها نعلل النفسَ بالآمال، فلما أحيينا سنةَ الاجتماعات العامة السنوية في السنة الماضية أعلنا للأمة وعدًا بإصدار «البصائر» أولًا، و"الشهاب" ثانيًا، وضربنا لذلك موعدًا محدودًا قدرناه بإعداد العدد اللازمة.

فتهللت أسرّةُ السامعين، وطفح البشرُ على وجوههم، وتنوقلت الأحاديث بتلك البشرى في القطر كله، فانتعشت الآمال، وجليت الأقلام التي علاها الصدأ من طول ما أغمدت، وما كنا حين وعدنا بهازلين ولا معللين، وإنما كانت دواعي الرجاء عندنا غالبة، وقوة التصميم والحزم فينا متوفرة، وما تجلت لنا الحقائق من أول مرحلة، وهي الحصول على الرخصة، إلا بعدَ أن شرعنا في إعداد العدة لإنجاز الوعد، فكذبتنا الظنون، واعترضتنا المعاكسات القانونية، ولما ألغي اشتراط الرخصة أبقت بعدها ما يقوم مقامها في التعسير والإرهاق، وهو الورق الذي لا يعطى إلا (برخصة) فحاولنا الحصولَ عليه ولكن بغير جدوى،

<<  <  ج: ص:  >  >>