للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الحقائق العريانة *

في هذا الوطن الجزائري شعبٌ عربيٌّ مسلم، ذو ميراث روحاني عريق، وهو الإسلام وآدابه وأخلاقه، وذو ميراث مادي شاده أسلافه لحفظ ذلك التراث، وهو المساجد بهياكلها وأوقافها، وذو نظام قضائيّ مصلحي، لحفظ تكوينه العائلي والاجتماعي؛ وذو منظومة من الفضائل العربية الشرقية منتقلة بالإرث الطبيعي من الأصول السامية، إلى الفروع النامية، لحفظ خصائصه الجنسية من التحلل والإدغام، وذو لسان وسع وحي الله، وخلد حكمة الفطرة، وجرى بالشعر والفن، وحوى سرّ البيان، وجلا مكنونات الفكر، ثم خدم العلم، وسجل التاريخ، وشاد الحضارة، ووضح معالم التشريع، وحدا بركب الإنسانية حينًا فأطرَب.

حافظ هذا الشعب على هذا التراث قرونًا تزيد على العشرة، وغالبته حوادثُ الدهر عليه فلم تغلبه، وما كان هذا الشعب بدْعًا في الاحتفاظ بهذه المقوّمات الطبيعية؛ بل كل شعوب الدنيا قائمة على أمثال هذه المقوّمات، لا يستنزلها عنها إلا من يريد أن يهضمها (١) قبل الأكل، ليهضمها (٢) بعد الأكل؛ كما يفعل وعاظ الاستعمار، ومشعوذو السياسة، لتخدير الأمم المستضعفة، فيقبحون لها العنصرية، وهم من حماتها، ويزهدونها في الجنسية، وهم من دعاتها.

جاء الاستعمارُ الفرنسي إلى هذا الوطن، كما تجيء الأمراضُ الوافدة، تحمل الموتَ وأسباب الموت، فوجد هذه المقوّمات راسخةَ الأصول، نامية الفروع، على نسبة من


* نشرت في العدد ١ من جريدة «البصائر»، ٢٥ جويلية سنة ١٩٤٧.
١) من الهضيمة التي هي الكلم.
٢) من هضم الأكل المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>