للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتسابقون إلى غاية واحدة، هي كراسي النيابات وما يتبعها من الألقاب والمرتبات، وإذا كل شيء مبدأُه السياسة فنهايته التجارة؛ والأعمال بخواتمها.

هذه هي السياسة في الجزائر بين الحاكم والمحكوم؛ يجعلها الأولُ أداة مساومة، وفخ اقتناص للمذبذبين، وسلاح ترهيب وتخويف للمخلصين، ويجعلها الثاني وسيلة جاه، وذريعة تضليل للأمة، وقد بلوناها، وخبرناها، وحاولنا إصلاحها في رجال السياسة منا، إشفاقًا على هذه الأمة الصالحة، فبحت الأصوات، وأَكْدَت الوسائل، فلا يقولن قائل فيها وفينا غير هذا فأهل مكة أدرى بشعابها.

أما جمعية العلماء فليست من أولئك ولا من هؤلاء، ولكنها- بطبيعة الحال وبمكانتها من الأمة- متهمة من أولئك وهؤلاء.

يقول عنها الاستعمار في معرض التبرم بها والتسخط عليها: إنها جمعية سياسية في ثوب ديني، وإنها تستر القومية بستار الدين، وتخفي الوطنية بخفاء (١) العلم والعربية؛ ويتنطع في بعض نوباته العصبية فيقول عنها: إنها تخدم سياسةً أجنبية، ويجاري الطبيعة أحيانًا فيقول: إنها تعمل للجامعة العربية أو الإسلامية، ويلبس مسوح الرهبان تارةً أخرى فيشوب التهديد بالوعظ، ويقول لنا: إن جلال العلم لا يتفق مع أوساخ السياسة، وتغلب عليه طباع السوء فيقذف بأعضاء الجمعية في السجون، ويُلقي بهم في المعتقلات مع المجرمين.

ويقول عنها ساسة الانتخاب منا والمسحورون بكراسي النيابات، أقوالًا تختلف باختلاف أهوائهم فيها، وتباين مبادئهم ومبادئها، فيقول الموتورون في الانتخاب: إنها نصرت فريقًا على فريق، ويحملهم الغلوّ في الحزبية على القول بأنها رجحت مبدأ على مبدإ.

ويقول آخرون قطعت الطريق بينهم وبين الأمة: إنها تدخلت في السياسة وما ينبغي لها، لأنها لا تحسن السياسة ولا تنطقُ بلسانها؛ لسان السياسة أعجميٌ، ولسانها عربيّ مبين ...

آراء وأقاويلُ لا يراد بها وجه الحق، ولا مصلحة الوطن، وإنما يراد بها إرضاء النزعات الحزبية المبنية على التحاسد في ما لا يتحاسد عليه العقلاء.

ثم يلتقي هؤلاء جميعًا مع الاستعمار في نقطة اتصال، تلجئهم إليها الضرورة إلجاء، حتى يصير المختار فيها كالمكره؛ وهي حرب الجمعية، لا لأنها سياسية، ولا لأنها تدخلت في السياسة، بل لأنها أثبتت للعروبة حقها في هذا الوطن، وأثبتت للعربية حظها في ألسنة بنيه، وأثبتت للإسلام سلطانه على مهجهم وأرواحهم.


١) الخفاء بالكسر: الستر الذي يخفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>