للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلتفتون إلى تصحيح الأسس فيها، ولا تعبأون بدينها ولا بلغتها، ولا تظهرون بالمظاهر التي تقربكم منها، ولا تنيرون أمامها السبلَ ببرامجَ واضحة ومبادئ معقولة، ولا تشركونها في رأي ولا مشورة، ولا تتصلون بها إلا حين ينعق غراب الانتخاب.

إن منكم من يحتقر لغةَ الأمة فلا يقيم لها وزنًا، وفيكم من يحتقر دينها فلا يقرأ له حسابًا، وفيكم من يحتقر بناتها فلا يتزوج منهن، وفيكم من يأنف من خؤولتها لأبنائه فيختار لهم أخوالًا غرباء، وإن بعض ذلك لقدْح محسوس في أمتكم الحاضرة، وإن بعضه لسم مدسوس في أعراق أمتكم المقبلة؛ فيا ويحكم هل هذا كله إلا من آثار الاستعمار في نفوسكم، شعرتم أم لم تشعروا؟

يا إخواننا! إنكم أحرجتمونا بأعمالكم وأقوالكم وأحوالكم، فأخرجتمونا من مقام التلطف في النصيحة إلى مقام الإيجاع في التنديد؛ وأردتم أن تثلموا سيفًا من سيوف الحق، فلا تلوموه إذا خشن متنه وآلم جرحه، فتجرّعوا هذه النصائح على مرارتها في لهواتكم، فما نحن- بمكاننا في الدين- أقل من أن ننصح، ولا أنتم- بمكانتكم في أنفسكم- أجل من أن تنتصحوا.

يا إخواننا! إن الدعوى والزعم وسفاسف الأقوال وتوافه الأعمال وتصغير الكبائر وتكبير الصغائر، كلّ ذلك مما لا تقوم عليه عقيدةٌ سياسية ولا تربيةٌ وطنية.

إننا لو جمعنا كل آرائكم في السياسة، وفرضنا تحقيقها لما أفادت الأمة شيئًا وهي بهذه الحالة من التربية فكيف وأنتم متباينون؛ وكيف وأنتم مع الخلاف يكفر بعضُكم ببعض، ويلعنُ بعضُكم بعضًا؟

إن وراء السياسة شيئًا اسمه الكياسة، وهي خلق ضروري للسياسي، وإن السياسي الذي يحترم نفسه، يحترم غيره مهما خالفه في الرأي، ومهما كان الخلاف جوهريًّا، فإذا لزم النقد، فلا يكون الباعث عليه الحقد، وليكن موجهًا إلى الآراء بالتمحيص، لا إلى الأشخاص بالتنقيص.

إننا لا نتصور كيف يخدم السياسي أمته بتقطيع أوصالها، وشتم رجالها، وتسفيه كل رأي إلا رأيه، ولا نتصوّر أن مما تخدم به الأمة هذه الدروس (العالية) في أساليب السبّ التي يلقنها بعض الأحزاب لطائفة من شباب الأمة في (معاهد) المقاهي والأزقة؛ إن تضرية الشبان على الشتم والسباب جريمة لا تغتفر ...

إن شباب الأمة هو الدم الجديد في حياتها؛ فمن الواجب أن يصان هذا الدم عن أخلاط الفساد؛ ومن الواجب أن يتمثَّل فيهم الطهر والفضيلة والخير، ومن الواجب أن تربى ألسنتهم على الصدق وقول الحق، لا على البذاء وعورات الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>