للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا قومنا! إننا نخشى أن تفسدوا على الأمة (بهذه الدروس) جيلًا كاملًا كنا نجهد أنفسنا في تربيته على طهارة الإسلام، وهمم العرب، ومجد العروبة، والإيمان بحقوق الوطن، والعمل على تحقيق استقلاله وحرّيته، ونبنيه طبقًا عن طبق، ونعلي أخلاقه خلقًا عن خلق، نخشى أن تضيّعوا على الأمة هذا الجيل، وتفسدوا مواهبه، وتلهوه بالمناقشات الحزبية عن الحقائق القومية.

نخشى ذلك ... ونخشى أكثر منه على هذه الطائفة المقبلة على العلم المنكبّة على تحصيله ... هذه الطلائع التي هي آمال الأمة، ومناطُ رجائها، والتي لا تحقّق رجاءَ الأمة إلا إذا انقطعت إلى العلم وتخصّصت في فروعه، ثم زحفت إلى ميادين العمل مستكملة الأدوات تامة التسلّح، تتولى القيادة بإرشاد العلم، وتحسن الإدارة بنظام العلم، فتثأر لأمّتها من الجهل بالمعرفة، ومن الفقر بالغنى، ومن الضعف بالقوة، ومن العبودية بالتحرير، وتكتسح من ميدان الدين بقايا الدجالين، ومن ميدان السياسة والنيابة بقايا السماسرة والمتّجرين، ومن أفق الرياسة بقايا المشعوذين والأميين.

هذه الطائفة الطاهرة، الطائفة بمناسك العلم، قد ألهبتم في أطرافها الحريق بسوء تصرفكم، فبدأت تنصرف من رحاب العلم إلى أفنية المقاهي، ومن إجماع العلم إلى خلاف الحزبية.

إن من طلّاب العلم هؤلاء من يدرسُ الدين، وإن الدين لا يجيز لدارسه أن يفتي في أحكامه إلا بعد استحكام الملكة واستجماع الأدلة حذرًا من تحليل محرم، وإن منهم الدارسَ للطبّ، وإن قانون الطب لا يجيزُ لدارسه أن يضعَ مبضعًا في جسم إلا بعد تدريب وإجازة خوفًا من إتلاف شخص ... فهل بلغ من هوان الأمة عليكم أن تضعوا حظها في الحياة في منزلة أحطّ من حظ امرأة في طلاق، وأن تجعلوا حقّها في الدواء أبخسَ من حق مريض على طبيبه؟ ..

إنها- والله- لجريمة يقيم بها مرتكبوها الدليلَ على أنهم أعداء للعلم، وقطّاع لطريقه، أم يقولون: "لا علم بدون استقلال" فيعاكسون سنّة الله التي تقول: "لا استقلال بدون علم"، أم يقولون ما قاله كبير منهم: "إن محمدًا لم يأت بالعلم وإنما أتى بالسياسة" و "إن روسيا لم تفلح بالعلم وإنما أفلحت بالسياسة"؟ ...

يا قومنا! إن الأمة تنظر إلى الأعمال لا إلى العقائد، وإننا لنتوقّع أن تشعر الأمة بما في سلوككم من اضطراب وتناقض بين المبادئ والأعمال فتتزعزع ثقتها بالأحزاب جميعًا، ويذهب الحق في الباطل، وإننا- والله- لا نرضى لكم هذه العاقبة، ولا نرضى لأمة فقيرة من الرجال أن يسوء ظنّها برجالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>