للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومراكش، واستهوائه لأكابر رجال الدين، وامتداد نفوذه إلى السلطة القضائية، أكبر دليل على ما قلناه.

...

الاستعمار كله رجس من عمل الشيطان، يلتقي القائمون به على سجايا خبيثة، وغرائز شرهة، ونظرات عميقة إلى وسائل الافتراس، وإخضاع الفرائس، وأهمّ تلك الوسائل قتلُ المعنويات وتخدير الإحساسات الروحية؛ ولكن هناك تفاوتًا بين استعمار واستعمار، فاستعمار يباشر وسائله بالحقد ويشربها معاني من الانتقام؛ وآخر يباشرها بنوع من التسامح واللين؛ والاستعمار الفرنسي من النوع الأول، وبين النوعين فرق، وإن كانا بغيضين ممقوتين، لأنهما استغلال للأموال، واستعباد للأجساد، ويزيد أحدهما بأن فيه ترويحًا على الأرواح، ولولا ما بلوناه من شر الاستعمار الفرنسي على ديننا ولغتنا، وما تجرعناه في سبيل إحيائهما من غصص، وما كابدنا في إنقاذهما منه من بلاء، لما ذكرنا الاستعمار بخير، ولما أجريناه على ألسنتنا إلا مقرونًا باللعنة مصحوبًا بالسخط، ولكن في الشر خيارًا لا يقدره قدره إلا المبتلى بالأشد من أنواعه.

ساء مثلًا الاستعماران: ما يُقعد منهما الروحانيات المقعد الخشن، وما يُقعدها المقعد الوطيء، وما يتعمدها بالقتل الوَحِيِّ، وما يبتليها بالموت البطيء؛ وسيسوآن- وإن طال أمدهما- مصيرًا، وسيخذلهما القاهر الذي يُمهل ولا يُهمل، ولا يجدان من دونه وليًّا ولا نصيرًا.

...

أكثرنا من ذكر الاستعمار في المعارض التي يلتقي بنا أو نلتقي به فيها حتى كدنا نألفه فتأنس له نفوسنا، ويشغلنا ترداد اسمه عن الاستعداد للتخلص منه، كما يشغلنا الإكثار من لعن الشيطان عن الاحتراس من وساوسه، والتحفظ من مكايده؛ فلنرجع إلى أنفسنا وإلى أمّتنا، ولنناقشها الحساب: ماذا أعدت لتحرير الدين؟ وبماذا استعدت؟

لنخرج من الأقوال إلى الأعمال، ومن الافتراق إلى الاجتماع، ومن التفريط إلى الحزم، ومن المهاودة إلى التصميم، ومن المطاولة إلى الإنجاز، ومن التخاذل إلى التناصر، ومن الجمجمة إلى الصراحة، ومن السلب إلى الإيجاب.

إن المسألة خطيرة، وإن الأمّة الجزائرية المسلمة في قلق عظيم، وإن أصحاب الأغراض والمنافع من حكومة وحكوميين يعبثون بديننا ونحن ننظر.

فلنقف الوقفة الحازمة التي توقف كل عابث عند حدّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>