للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تريد بقاء حبالها بحباله مربوطة، ويدها في التصرّف فيه مبسوطة، وتحاور فلا تصدق في محاورة، وتشاور فلا تخلص في مشاورة، فإذا أعشاها الحق بنوره، وأفحمها البرهان بظهوره عمدت إلى شخص من هذه الشخوص فغطّت به مقصدًا من مقاصدها المفضوحة وسترت باسمه الإسلامي وصبغته الإسلامية مكيدة من مكائدها المكشوفة، فبالأمس غطت فضيحة استعباد المساجد باسم المفتي العاصمي، واليوم تستر مكيدة تدخلها في الأعياد الإسلامية باسم القاضي، ولا مفتي، ولا قاضي، وإنما هي الحكومة متسترة بهذه الأسماء التي لا تستر، متقنعة بهذه الأسماء والصفات والثياب، لابسة لها لِبسة الممثل ... كأنها تقصد ما يقصده (القالب الحيران) (١).

هذه أهدافنا نسدد إليها سهام التجريح، وهي مبادئ ظهرتْ بمظهر رجال، أو رجال صيّرتهم قابلية الاستعمال مبادئ؛ ولكن ما بالهم كلّما مسّهم النقد بحرارته صاحوا وناحوا، وثاروا وخاروا، وتظلموا وتألموا؟ أنا لا أصدق أن ذلك كله انتصار للكرامة الشخصية، وإنما هو إغراء لنا بموالاة الحملات عليهم، ليزداد شأنهم نباهة عند مسخّريهم، وليتّخذوا بذلك وسيلة وزلفى لأسيادهم، وذريعة لنيل الممتنع من مرادهم، وإن شأنهم في التظلّم منا شأن القائل:

أدعو عليه وقلبي ... يقول: يا رب لا لا

...

ولم ننتقل بالقرّاء من ميدان إلى ميدان، وإنما حدث في القضية ما أوجب تغيير العنوان، ... فقد كان الصوم والإفطار والأهلة والأعياد كلها بعيدة عن تدخّل الحكومة، وكانت كالناحية المستقلّة من الوطن المستعمر، لم يصبها من تسلّط الحكومة ما أصاب المساجد والأوقاف والحج، فالأعياد لا تقام مسايرة لمقصدها، والأهلة لا تُرى بعينها، ولا بمرصدها، ولم يكن ذلك استعفافًا منها، وإنما كان استخفافًا بها، لعدم وجود المال فيها ... فرمضان ليس له أوقاف تنفق عليه، ولا سفينة تحمل إليه، والأعياد، عاطلة الأجياد، آمنة من طروق زياد، وطارق بن زياد ... وكان المسلمون يصومون ويفطرون متفقين أو مختلفين، لا يتبعون في ذلك إلا أحكام الدين أو تأويلات لا تخرج في الأغلب عن الدين، ولا ينقادون إلا لعوائد إن كان بعضها قبيحًا، فليس منه الانقياد للحكومة.


١) من مزاعم العرب أن من حار ولم يتبين له وجه الصواب فدواؤه أن يلبس ثوبه مقلوبًا لتزول عنه الحيرة، يقول شاعرهم:
جدت جداد بلاعب وتبدلت ... في الحي لبسة قالب حيران

<<  <  ج: ص:  >  >>