للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكن الصوفية استقوا مبادئهم وأفكارهم ومعتقداتهم من التشيع والشيعة , بدل الكتاب والسنة , فقالوا في أوليائهم ومتصوفيهم نفس ما قاله الشيعة في أئمتهم وأوصيائهم , فانظر ما كتبه أعظم مؤرخ صوفي في التاريخ القديم والحديث أبو نصر السراج الطوسي - حسب ما قاله طه عبد الباقي , والدكتور عبد الحليم محمود - ولاحظ التوافق الكامل والتشابه التام بين ألفاظه وعبارته وبين عبارة الشيعة وألفاظهم فهو ينبئ عن المصدر الأصلي , والمأخذ الحقيقي , والمنبع الأصيل , فيكتب:

(أن هذه العصابة أعني الصوفية هم أمناء الله عز وجل في أرضه , وخزنة أسراره وعلمه وصفوته من خلقه , فهم عباده المخلصون , وأولياءه المتقون , وأحباءه الصادقون الصالحون , منهم الأخيار والسابقون , والأبرار والمقربون , والبدلاء والصديقون , هم الذين أحيا الله بمعرفته قلوبهم , وزيّن بمعرفته جوارحهم , وألهج بذكره ألسنتهم , وطهر بمراقبته أسرارهم , سبق لهم منه الحسنى بحسن الرعاية ودوام العناية , فتوجهم بتاج الولاية , وألبسهم حلل الهداية , وأقبل بقلوبهم عليه تعطفاً , وجمعهم بين يديه تلطفاً , فاستغنوا به عما سواه , , وآثروا على ما دونه , وانقطعوا إليه , وتوكلوا عليه , وعكفوا ببابه , ورضوا بقضائه , وصبروا على بلائه , وفارقوا فيه الأوطان , وهجروا له الإخوان , وتركوا من أجله الأنساب , وقطعوا فيه العلائق , وهربوا من الخلائق , مستأنسين به مستوحشين مما سواه: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} الآية: {فمنهم ظالم لنفسه} الآية: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}) (١).

ونقلوا عن ذي النون المصري أنه قال:

(هم حجج الله تعالى على خلقه , ألبسهم النور الساطع عن محبّته , ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته , وأقامهم مقام الأبطال لإرادته , وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته , وطهر أبدانهم بمراقبته , وطيبهم بطيب أهل مجاملته , وكساهم حالا من نسج مودّته , ووضع على رؤوسهم تيجان مسرته , ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب , فهي معلقة بمواصلته , فهمومهم إليه ثائرة , وأعينهم إليه بالغيب ناظرة , قد أقامهم على باب النظر من قربه , وأجلسهم على كرسي أطباء أهل معرفته) (٢).

وأيضا: (هم خرس فصحاء , وعمي بصراء , عنهم تقصر الصفات , وبهم


(١) كتاب اللمع للطوسي مقدمة ص ١٩.
(٢) جمهرة الأولياء للمنوفي الحسيني ج١ ص ١٠٢.

<<  <   >  >>