للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واستندوا بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه هو القائل: (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (١).

فقالوا:

(أمر الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتم أشياء مما لا يسعه غيره للحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أوتيت ليلة أسري بي ثلاثة علوم , فعلم أخذ عليّ في كتمه , وعلم خيّرت في تبليغه , وعلم أمرت بتبليغه.

فالعلم الذي أمر بتبليغه هو علم الشرائع , والعلم الذي خيّر في تبليغه هو علم الحقائق , والعلم الذي أخذ عليه في كتمه هو الأسرار الإلهية ولقد أودع الله جميع ذلك في القرآن. فالذي أمر بتبليغه ظاهر. والذي خيّر في تبليغه باطن لقوله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وقوله (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) وقوله (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) وقوله (ونفخت فيه من روحي) فإن جميع ذلك له وجه يدلّ على الحقائق ووجه يتعلق بالشرائع , فهو كالتخير , فمن كان فهمه إلهيا فقد بلغ ذلك , ومن لم يكن فهمه ذلك الفهم وكان مما لو فوجئ بالحقائق أنكرها , فإنه ما بلغ إليه ذلك لئلا يؤدي ذلك إلى ضلالته وشقاوته. والعلم الذي أخذ عليه في كتمه فإنه مودع في القرآن بطريق التأويل لغموض الكتم , فلا يعلم ذلك إلا من أشرف على نفس العلم أولا , وبطريق الكشف الإلهي , ثم سمع القرآن بعد ذلك , فإنه يعلم المحلّ الذي أودع الله فيه شيئا من العلم المأخوذ على النبي صلى الله عليه وسلم في كتمه وإليه الإشارة بقوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله) على قراءة من وقف هنا , فالذي يطلع تأويله في نفسه هو المسمى بالله فافهم) (٢).

ويقول أبو نصر السراج الطوسي:

(إن حقائق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما خصّه الله تعالى به من العلم , لو وضعت على الجبال لذابت إلا أنه كان يظهرها لهم على مقاديرهم) (٣).

أي لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم جميع العلوم التي كان قد خصه الله بها - حسب زعمهم - وذلك لأجل أن الناس لم يكونوا يقدرون على حملها ومعرفتها.


(١) رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
(٢) الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج١ ص ١١٧ الطبعة الرابعة ١٤٠٢ هـ مصر.
(٣) كتاب اللمع للطوسي ص ١٥٩.

<<  <   >  >>