للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكن يخطر على بال الجبرتي من الأعمال وأضعاف أضعاف ما انتقده عليه، وسجله في تاريخه.

ونحن بعد ذلك نومئ إيماءات سريعة لضيق المقام. فمن ذلك بيعه للغلال والحبوب إلى الإنجليز وغيرهم من الإفرنج حتى شحت الغلال وغلت الأسعار وخلت منها الأسواق، بل أمر بمداهمة البيوت والدور لكبس الأقوات المدخرة، بدون ثمن (١) لسوقها إلى الكفار الإنجليز الذين كانت تجوب أساطيلهم البحار لضرب المسلمين والتربص ببلادهم، والاستعداد للاستيلاء عليها. وأحدث مكوسًا جديدة، وفرض ضرائب باهظة، حتى لقد ارتفعت الأسعار بشكل عظيم، وزاد ثمن كثير من البضائع إلى أكثر من عشرة أضعاف ثمنها (٢).

وحل الكرب والضيق بالمسلمين، وأوذوا في معاشاتهم وأرزاقهم إيذاء عظيمًا (٣).

وإن كان من ذكرنا من بكوات مصر قد ركنوا إلى بعض النصارى، واتخذوهم بطانة من دون المؤمنين، فإن محمد علي كان قد اعتاد أن يكون


= قتله، وتلك حجة أخرى تدين محمد علي لمكانة الدفتردار منه، ولا يبتعد أن يكونا متواطئين. انظر ترجمته في "الأعلام" (٣/ ٣٠٤).
(١) "عجائب الآثار" للجبرتي (٣/ ٣٤٢، ٣٦٣).
(٢) يذكر الجبرتي أن الثوب الذي قيمته مائتي نصف فضة أصبح بألفي فضة، وأن النعل الذي كان يباع بستين نصفًا صار يباع بأربعمائة نصف، والذراع الواحد من الجوخ كان يباع بمائة نصف فضة فبلغ ثمنه ألف نصف فضة. هذا سعر الدولة غير ربح البائع وطمع التاجر كما يقول الجبرتي. المصدر السابق (٣/ ٣٧١).
(٣) يقول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "اللَّهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به". أخرجه مسلم (٣/ ١٤٥٨) في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية برقم (١٨٢٨)، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٦٢، ٩٣، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦٠).