للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنأخذ مثلاً كيف يفسر محمد أسد صفات الله الواردة في القرآن.

يقول: "بما أن الله عز وجل كائن لا تحده حدود الزمان والمكان فإن كل ما يمكننا أن ندركه عنه ما يسمى بالصفات السلبية What he is not، أما صفاته الثبوتية فلا يمكن أن نكون عنها إلا فكرة ناقصة عن طريق استعارات وأمثلة عامة ومجملة. ولهذا فهو يعتبر هذه الصفات مجازات لا بد من تأويلها، فيقول عندما يوصف الله تعالى بأنه في السماء أو أنه {عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، فإن هذه ليست إلا أداة لغوية لتقرب لنا معنى فوق إدراك البشر، وهو قدرة الله الواسعة وسلطانه القاهر فوق كل شيء. وكذلك عندما يوصف الله بأنه "السميع" "البصير" فإن ذلك لا يمت بصلة إلى ظاهرة السمع والبصر العضوية، ولكنه فقط يصور بطريقة مفهومة للعقل البشري حضور الله عند كل شيء وكل حدث. وكذلك كثير من الصفات التي يبدو لأول وهلة أنها تعني التجسيم، مثل الغضب والفرح والحب و {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}، وأمثالها فهي لا تعدو أن تكون "تراجم" في لغة بشرية ورموزًا لأفعال الله (١).

ونفس الرموز -في رأي أسد- موجودة في وصف القرآن لليوم الآخر والحياة الثانية، والجنة والنار. وكل ما جاء من وصف لهذه ما هو إلا رموز مأخوذة من تجاربنا، فكأن القرآن يقول لنا: "تخيلوا كل ما يمكن لكم تخيله مما ينعم به الإنسان نفسيًّا وبدنيًّا، وتخيلوا نعيمًا فوق ما تتخيلون بأضعاف مضاعفة، ونعيمًا في ذات الوقت مختلفًا عن كل ما تتخيلون، فإنكم فقط حينئذ تكونون قد أدركتم لمحة وإن كانت غامضة عما يسمى "الفردوس".

ونفس الأمر صادق أيضًا عن وصف القرآن أن للنار (٢). وهو بذلك يعني أن وصف القرآن للجنة النار لا ينبغي أن يؤخذ على ظاهره، أو على أنه وصف


(١) نفس المصدر P. ٩٩١
(٢) نفس المصدر P. ٩٩٠. ٩٩١