للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوضح كرومر وجب وغيرهما- أن تكون حركة الشيخ مماثلة تمامًا لحركة (سير أحمد خان) مؤسس جامعة (علي قره) بالهند التي تسمت (المعتزلة الجدد) وكانوا مفتونين بحضارة الغرب منبهرين بها إلى أقصى حد.

ولكن ظروف مصر غير ظروف الهند، كما أن الشيخ وإن كان اعتزاليًا متطرفًا (١) لم يستطع أن يصدم المشاعر الإسلامية بأكثر مما فعل حيث قامت ضد بعض تصرفاته ضجة في كثير من أنحاء العالم الإسلامي (الفتوى الترنسفالية، فتوى إباحة صناديق التوفير .. ). وليس ثمة شك في أن "مصر الحديثة" التي يريدها كرومر هي دولة لا دينية لا صلة لها بالإسلام وحكومتها ستكون على الشرط الذي مر آنفًا، أما محمد عبده فلم تكن لديه كما يبدو صورة واضحة، وإنما كان يهدف إلى الاصلاح الذي ينشده في ظل الاحتلال الإنجليزي. ولهذا فإن التعاون بين كرومر والشيخ يعني تقديم تنازلات من الأخير للأول، أما العدو المشترك لهما فهم العلماء. "غير الأحرار" الذين كانوا -رغم ما فيهم- ينفرون من المحتل والعمل معه في أية صورة!

وابتدأ محمد عبده عمله الاصلاحي بمهاجمة الأزهر ونقد المحاكم ونقد الحياة الاجتماعية وكرومر من ورائه يقطف الثمار.

لقد كانت بريطانيا -كعادتها- عازمة على إلغاء الشريعة الإسلامية فور تمكنها في البلاد، غير أن كرومر رأى أن أفضل وسيلة لذلك هو تفريغ المحاكم الشرعية من محتواها بأن يتولاها علماء "ذوو طابع تحرري" تتم تربيتهم بإشرافه هو والشيخ في معهد خاص لقضاة الشرع، وقوّى عزمه على


(١) لعل هذا هو أقرب ما يصح أن يوصف به الشيخ من الانتماءات المذهبية وإن كان في الواقع له اتجاه مستقل أحيانًا وتظهر اعتزاليته أو عقلانيته في تأويلاته المشهورة للملائكة والجن والطير الأبابيل وخلق آدم.