للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستدلاً بمثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩].

وقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧].

وإذا كان من غير الممكن إنكار مبدأ القضاء والقدر السابق لحرية الإنسان، كما يقرره القرآن، فإن إقبالاً يرى أن معنى هذا القدر أو التقدير يعطي للنفس الإنسانية قوة عظيمة على مواجهة الضرورات التي لا مفر منها.

والقرآن نفسه -في رأي إقبال- يقرّ بحقيقة من حقائق النفس الإنسانية، وهي الارتفاع والانخفاض في قدرة الإنسان على اختيار أفعاله.

وحاول إقبال أن يفسر ذلك على ضوء نظرية اشبنجلر Spengler-١٨٨٠ - ١٩٣٦ القائلة بأن الإنسان يمارس حياته بطريقتين: طريقة عقلية تقوم على فهم الكون باعتباره نظامًا ثابتًا من علة ومعلول وطريقة حيوية تقوم على الاستجابة المطلقة لضرورات الواقع الذي يعكس الزمان المتجدّد بما ينطوي عليه من خلق وإبداع. وهذه الطريقة الأخيرة هي التي يواجه بها المسلم الحياة، مفعمًا بالإيمان بضرورة ما يمليه التجدد الزماني الخلاَّق، وتبلغ نزعة الإيمان لديه بهذه الضرورة درجة من الخصب والعمق بحيث تفنى إرادته في إرادة الله المطلقة (القضاء والقدر) فتكتسب من ذلك حيوية وصلابة.

أما النزعة الجبرية التي سادت العالم الإسلامي، فيرى إقبال أن مرجعها إلى ما عرفه تاريخ المسلمين من أنظمة الحكم الجائر، وإلى تأثير الفلسفة التي طبعت النظام الكوني بالسببية المفضية إلى اعتبار العلة الأولى في إرادة الله وعنها يصدر كل شيء. فالمادية العملية التي ظهرت عند أمراء دمشق من بني أمية النهازين للفرص، احتاجت إلى سند يستندون إليه في سوء صنيعهم بكربلاء فقالت بقدر الله -يُروى أن معبد الجهني قال للحسن البصري: إن بني أمية يسفكون دماء المسلمين ويقولون إنما تجري أعمالهم على قدر الله