للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِمَّا تعصبا من أحدهم لدينِهِ وكراهية لمباينة طائفته ومفارقة قومه وعشيرته

وَإِمَّا لِأَن أَبَاهُ وأشياخه نقلوه إِلَيْهِ فتلقنه مِنْهُم مُعْتَقدًا فِيهِ الْهِدَايَة والنجاة فَإِذا كنت يَا هَذَا قد ترى جَمِيع الْمذَاهب الَّتِي تكفرها قد أَخذهَا أَرْبَابهَا عَن آبَائِهِم كأخذك مذهبك عَن أَبِيك وَكنت عَالما إِنَّمَا هم عَلَيْهِ ضلال وَجَهل فيلزمك أَن تبحث عَمَّا أَخَذته عَن أَبِيك خوفًا من أَن تكون هَذِه حَالَته

فَإِن قَالَ إِن الَّذِي أَخَذته عَن أبي أصح مِمَّا أَخذه النَّاس عَن آبَائِهِم لزمَه أَن يُقيم الْبُرْهَان على نبوة مُوسَى من غير تَقْلِيد لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ قد ادّعى صِحَة ذَلِك بِغَيْر تَقْلِيد وَإِن زعم أَن الْعلَّة فِي صِحَة مَا نَقله عَن أَبِيه أَن أَبَاهُ يرجح على آبَاء النَّاس بِالصّدقِ والمعرفة كَمَا تدعى الْيَهُود فِي حق آبائها لزمَه أَن يَأْتِي بِالدَّلِيلِ على أَن أَبَاهُ كَانَ أَعقل من سَائِر أباء النَّاس وَأفضل فَإِن هُوَ ادّعى ذَلِك كذب فِيهِ لِأَن من هَذِه صفته يجب أَن يسْتَدلّ على فضائله بآثاره وَقَول الْيَهُود بَاطِل بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم من الْآثَار فِي الْعَالم مَا لغَيرهم مثله بل على الْحَقِيقَة لَا ذكر لَهُم بَين الْأُمَم الَّذين اسْتخْرجُوا الْعُلُوم الدقيقة ودونوها لمن يَأْتِي بعدهمْ وَجَمِيع مَا نسب إِلَيْهِم من الْعُلُوم مَعَ مَا استفادوه من عُلُوم غَيرهم لَا يضاهي بعض الْفُنُون الْحكمِيَّة الَّتِي استخرجها حكماء اليونان والعلوم الَّتِي استنبطتها النبط وَأما تصانيف الْمُسلمين فيستحيل لكثرتها أَن يقف أحد من النَّاس على جَمِيع مَا صنفوه فِي أحد الْفُنُون العلمية لسعته وكثرته وَإِن كَانَ هَذَا موقعهم من الْأُمَم فقد بَطل قَوْلهم إِن آبَائِهِم أَعقل النَّاس وأفضلهم وأحكمهم وَلَهُم أُسْوَة بِسَائِر آبَاء النَّاس المماثلين لَهُم من

<<  <   >  >>