للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بتحملك نتيجة عملك وإلقاء المسؤولية فيه عليك.

وقد أبان ويستوفسكي هذا الرأي بإسهاب وتبيين في رواية له ومضمون هذه الرواية أن المسيح ظهر في أسبانيا أيام محكمة التفتيش وأخذ في دعوة العامة والغوغاء فتبعه عدد عظيم منهم كما كان شأنه في جليلة وظهرت على يديه معجزات كثيرة فأحيا ابنة وردها إلى أمها ولما بلغ خبره محكمة التفتيش أمرت بالقبض عليه وحكمت بإحراقه. وقبل الذهاب به إلى موقد النيران زاره رئيس المحكمة وقال له وحتى لو كنت حقيقة المسيح بنفسه فلا بد من إعدام حياتك وإزالة وجهك من على الأرض إلا لا يمكنك أن تزيد شيئاً على ما قلته لو فعلته أيام كنت في جليلة إذ لا حق لك في ذلك فقد نزلت عن كل شيء للكنيسة وخولت لها الحل والعقد والتحليل والتحريم أن ما تبشر به الآن وتنشره بين الناس يفسد عليك عملك الأول الذي خلفته لنا وهي الأساس والبناء فرفعنا أركانه وقومنا أوده نعم إن الفضل في ذلك لتلك السلطة الواسعة التي منحتها إيانا ألست أنت الذي وهبت الناس الحرية وهم لا يستحقونها ما أشد ألم المرء وعذابه من تركه حراً وسلبه ما كان يخضع له ويذعن إليه أنك لا تعرف الإنسان ولا تدري حقيقة أمره وتظن فيه فوق ما يستحقه إن الإنسان ضعيف خوار أأنت الذي تحبه أكثر من نفسك: إلا أنه لا يوجد في قلبك ذرة من الرأفة به والرثاء لحاله. الشك والقلق والشقاء تلك هي الحظوظ التي نالها من جراء آلامك وعذابك فعلى من يرجع باللائمة إذا لم تطق النفوس صبراً على منحك وعجزت عن النهوض بها والقيام بأعبائها! إن من حسن حظ الإنسانية أننا وبيدنا ذلك السلاح القوي وتلك السلطة الواسعة التي خلفتها لنا فأصلحنا خطأك وقومنا بناءك على أساس متين من الرهبة والجبروت وخلب العقول بالمعجزات فأسرع الناس إلينا أفواجاً لائذين بنا مستصرخين مما انتابهم من الجور والأذى فأمرنا بإلقاء الحرية عن كواهلهم فطرحوها تحت أقدامنا ورجعوا خفافاً فرحين مستبشرين وعادوا إلى سيرتهم الأولى من الخضوع والخشوع والإنقياد الأعمى كأنهم قطيع من الغنم وبهذا خلصوا من هبتك الملعونة التي أورثتهم الغم والهم: فسكت المسيح ولم يحر جواباً.

أجل إن من يقطع مرحلة كبيرة من عمره في الأسر والاستعباد ثم يرى نفسه بعد ذلك مرخي العنان مطلق السراح يجد في الحرية حملاً ثقيلاً ينوء به ولا يستطيع النهوض به