للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان يحمل دائماً في جولاته قدحاً، ففي إحدى جولاته البهيجة التي لا أنسى أبداً ذكراها، وكنا نروح النفس في إحدى الغابات أخرج من جيبه أنبوبة من المطاط، وولى وجهه وأنا أتبعه شطر غدير كان على عدوة الطريق، وسألني أن أعل بواسطة أنبوبته من ماء ذلك الغدير، وإذا جرح لنا إصبع، ضمده بأوراق الطوابع.

أما عن مزاياه العمومية. فقد كان أبداً مغتبطاً مبتهجاً. يظن بالحياة خيراً ويعلق عليها الآمال. وكان يكره مذهب التشاؤم. وأما عن معارفه وعلومه فكانت جعبته منها حافلة. حتى لقد كان يستطيع أن يتكلم في كل موضوع. وقد كان لنا دائرة معارف حية ممتعة تحبونا في كل شيء بالمعلومات الوافية الضافية. وكان يحب الطفل الصغار، وطالما استحثني على أن أعلم طفلاً أو طفلين. وإذا غاب الأطفال التلامذة. سألني إن كان أحد منهم مقبلاً. ولا أظنه كان يحب الحيوانات. ولكنه لم يكن يتأفف منها. ولم يكن ليعيرها كبير اهتمام. على أنه كان يسمح للهرة أن تجلس فوق مكتبه. ما دامت لا تقلقه. وكان يلتذ برؤية صغار القطط وهن يلعبن ويتداعبن. وكان بينهن قط عجوز. لا تجده في أغلب الآحايين إلا نائماً في حجرته الخصوصية بين القماطر والأسفار.

نما عنده الدين جنباً لجنب مع الأسرةز وكان سراً كالحياة غامضاً. وأحسن اسم نطلقه على دينه هو قول كارليل العقيدة الطبيعية في وجود قوة خارقة للطبيعية وقد كتب إلى كاتب هذه الأسطر قبل وفاته بقليل يقول إن ذلك العقل المادي الذي كنت أحمله في زمان الصبا والشباب أخذ يتشكل في رفق ويتحول إلى أن صار الآن ذلك العقل الاشتراكي الروحاني. المؤمن. ذلك العقل الذي يظنه أصدقائي العلماء قد بلغ منه الضعف في متهدم العمر وأخذت منه البساطة حتى يعتقد أن الفاكهة والأزهار ومستأنس الحيوان وعظيم الطير والهوامز والصوف والقطن والسكر والمطاط. والمعادن واللآلى والدر. خلقت من قبل خلقنا وأنشئت لتهذيب الإنسان وتنعمه

وقال في خطاب له آخر: أن القول بقوانين الطبيعة مع إنكار وجود كائن هناك يعمل ويدبر. قول هراء وكلم لا معنى لها. وسواء كان الحق المجهول كائناً فرداً يعمل في كل مكان من الكون بنفسه وهو الخالق والمنظم والمدبر لأدق حركة في العالم والعوالم الأخرى الممكنة أو يعمل. وهو ما أرى بواسطة طبقات لا تحصى من الكائنات. فالأمر في كلا