للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والناقد العدل هو الذي لا يضع إزاءه عاطفته وعاطفة منقوده فيعارض بينهما. ولا ينقص من هذه ليزيد في تلك. ولا يستعين على نقده بجيوش الباطل من سياب وافتاء واتهام. ولا يقدم عليه قدوم المتهور على قتالز ولا يعمد إلى مواهب الناس فيجعلها عوناً له على ظهور بعد خمول. ولا يدعي أنه يحنو على القراء. ويحوطهم برعايته. ويعلمهم كيف يحكمون. وكيف يمدحون. ولا يزهي عليهم بأنه عريفهم وولي أمرهم. وأعرف منهم بالبهرج. وأخبر بالزيف. ليشهد له كما يشهد للصيني الذي يقيس مبلغه من الحكمة بطول أظفاره.

فإذا اجتمعت هذه الأسباب كلها في الناقد. وكثر عدد الآخذين بها في وسط من الأوساط. فاعلم أن الجمهور فيه محترم القدر. لا يجترأ على خدعته. ولا يقدم على الكذب عليه. ولا تنال الشهرة على حسابه.

أما إذا قام الجاهل المطرح فاستمع له. وانبري الدعى المنبوذ فأصغي إليه. واستوي الشتام البذيء فأصاب الشهرة ببذائته. ودب الخسيس الفاسد الدخلة فتعرف بين الناس بخسته. فثق أن الرأي العام في الأمة قائل. وأن الجمهور فيها غير محترم.

ولقد كان حظ هذا البلد من الأولين سيئاً. وكانت نكبته بالآخرين فادحة. فقد تخاذل الأدب بالأدباء. وتشابه الادعياء بالأكفاء. وأصبح الأديب يرى في الأديب مزاحماً منافساًز وعدواً مكاشحاً. وأصبح كلهم يمشي بالسعاية لأخيه. والأذية له. والزراية به. والسخرية منه. واندس بينهم الدعي الجاهل. يرفع عقيرته بالشتائم ويصرخ بما توحي إليه نفسه الصغيرة وروحه القذرة. ويتصيد الشهرة بالصياح. ويفرغ من فمه بالكلم العور. لسد ببذر المال. ويحقد عليك مقدرتك ويدعي أنك الحاقد. وينفس عليك كفاءتك ويصيح بأنك النافس. ويصفك بطيب السريرة ليتفرد هو بسوءها وينعتك بسلامة النية. ليحتكر هو عليلتها. فإذا أسرعت من سفهه إلى السكوت. كان كالكلب يرى الرجل يعدو في سبيله. فيظن من خوف منه وخشية. فيتبعه نباحاً وعواء. وإن خرجت إليه. فجاريته في سبابه. سجلت عليك شتمتك. ونزلت بمجاراته عن مكانتك. ولم تسلم من عتب العقلاء.

وأنت فتعلم أن أمثال هذا كثيرون. كلهم يعيشون من خداع الجمهور. ويسدون أرماقهم من الرتع في لحوم الناس.

وكلهم المعني بقول الفيلسوف نيتشه انظروا! هذا هو جحر العنكبوت (الترنتي) فهل