للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التجويد في نسقها وكتابها وترتيبها وما إلى ذلك مما يضي إلى حد العلة، ويستغرق الوقت كله، ولا تنفع فيه من الجهد ولا من المال قلة.

وليس بين القراء وبين أن يروا من (البيان) نظاماً كنظام المجلات الأوروبية الكبرى إلا أن ينتظم كل واحد منهم في جمع ستين قرشاً من نفقات عامة، لا من نفقات طعامه، ومن حذق يده، لا من رزق غده، وإلا فمما ينفقه على حذائه، لا على غذائه، وما يبذله في لهوه وسرفه، لا ما يدخره لعزه وشرفه. وإلا - وأكرم الله قراءنا - فليس إلا ما قال الأول لعنة الله على الأدب إن كان بائعه مهيناً لن ومشتريه مما كسا فيه.

وهذه المجلة رعاكم الله لا تقوم بعصبية دينية ولا بعصبية قومية تجمع إحداهما عليها أيدي المشتركين غيرة على الدين أو غيرة على الجنس كسائر المجلات العربية الأخرى فليس لها إلا قوة مبدئها ومادتها ولغتها وهي كفيلة لنا بخواص القراء من أهل العقول والألسنة وفيهم الغناء كله والحمد لله لو يأخذون في أمرهم وإن قل بالحزم، ولو يدعون من أنفسهم هذا التهاون بالقليل وهم يعلمون أن السحابة صاعدة غير السحابة هابطة ولكنها إن لم ترتفع قطرة إلى قطرة وذرة إلى ذرة لم تهبط بالرحمة في وابل ولا طل.

و (البيان) فقد عرف الأدباء كافة أنه خزانة الأدب الحديث، وأنه لبس لهم في معناه ما يسده مسده، أو يرد مرده، وأنه على ذلك من حاجة المتأدبين يقوم من ألسنتهم ويرهف من أقلامهم ويشحذ من أذهانهم ويطرح نظرهم مطرحاً بعيداً في التفكير والنقد بما يقلب عليهم من فنون الأدب وأنواع المعاني، وما يهديهم إليه من مناحي الرأي وما يجلوه عليهم من قرائح الفلاسفة وخواطر الأدباء في عصور الدنيا وجهات الأرض. ثم هم منه أبداً في طرائف ممتعة. وعلى موائد مشبعة. يجمعون به أدباً إلى علم وعلماً إلى سلوة وسلوة إلى تفكهة، ويخرجون منه بالكثير الطيب والجيد البارع من كل ما تستقل به الطرقة وينضج الأسلوب وتتهيأ الملكة ويصح الرأي ولذلك كله أنشأناه، وعلى ذلك أدرناه، ومن أجل ذلك بذلنا في العمل ولم ندخر وجهدنا ولم نأل، وعانينا ولم نفتر، وصبرنا ولم نضجر، ومضينا ولم نلو، وكنا عند ما قدر أهل الفضل من الثقة بنا وحسن الظن فينا على ما اعترضنا من كلال المهنة وعلى ما حاق بنا من مطل بعض القراء. وعلى ما لقيناه من كفران الصنيع في بعض الأدباء. وعلى أشياء كثيرة مما تخر به العزائم هداً. وتخور عنده القوى جداً. ولا