للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سمياء آدمية وخيل إلي أن ذراعيه تمتدان لمعانقتي. ولا غرو فهو الذي ما زلت أراه مهجوراً من أصحاب المائدة مهملاً منبوذاً لا يؤبه له ولا يعني به ولا يحس وجوده، ولا أبدي هو قط أدنى دليل على أنه من الأنس. فما هو إلا أن لمست منه ذلك الموضع الذي انحصرت فيه حيويته واجتمعت فيه إحساساته حتى أقبل عليَّ حاسراً لي عن وجه إنسانيته وإخائه.

وقال جئني عقب الإفطار مباشرة. جئني أراك الحيوان الذي ارتجت له أنحاء العالم الحشري ودوت له بكثرة التسآل أركانه.

وعلى ذلك غشيت غرفة الجغرافي ومرقده ومعمله ومعرضه - حجرة واحدة تؤدي هذه الوظائف جميعها.

قلت وددت لو أن في الوقت متسعاً فأنظر جميع نفائسك وكنوزك ولكني أخشى أن لا يكون لدي من الوقت أكثر مما يسع رؤية طفيلي النحلة. ولكن ما ألمح هذا الفراش المثبت في هذا الوعاء!.

قال الجغرافي: أجل أجلْ إنه لحسن ولقد جاءنا من أمريكا الجنوبية مع هذه الخنفساة. انظر إليها. واعلم أن الخنفساوات ملوك طائفة الحشرات والأفرشة فيها بمثابة الرجال والذباب الصبية.

وكانت الخنفساة التي لقتني إليها حيواناً قذراً خبيثاً أشد سواداً من عرض إبليس تشمئز منه النفس ويزوي دونه الوجه ونقدي برؤيته العين وأهون ما يستحق من المار به أن ينبذه بقدمه إن لم ينزل به ما هو أشد وأنكى. ولكن الجغرافي جعل يرنو إليه رنو الفرح المرتاح ويعيره نظر المحب إلى الحبيب المقبل.

وصاح ملحة وأيم الله وطريفة إبليس لها في طول هذه البلاد وعرضها من مثيل درة يتيمة ولؤلؤة فذة ثم في امتلاك الشيء المقطوع القرين للذة أية لذة. ولن تجد والله يا سيدي نظيرها دون أن تذهب إلى أمريكا الجنوبية.

فسرني جداً أن البلاد خلو من مثل هذه البلية معتقداً أن في الذي بالقطر من الخنافس المعتادة خير عوض من الحيوان المذكور، يغني غناءه ويؤدي وظائفه كافة.

قال الجغرافي هناك طفيليات النحل وأراني صندوقاً مملوأ بقطع من الزجاج قد أثبت على