للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجع من وطيس القتال آلاف المسيحيين فلم يترددوا في الشهادة لأعدائهم العرب. بأنهم ليسوا كما صورتهم الكنيسة ووصفهم أحبارها وكهانها. وإنما هم قوم مساعير حرب كرماء عدول. وانتشرت في جنوب فرنسا ومدنها المشرقة الزاهية. أريحية للأدب. وخفة للقصص الغرامية. أعان عليها أغنية الرحالة. وشجعتها نشائدهم. ولم تكن أغانيهم مقصورة على التشبيب والنسيب والبطولة والمعامع والحروب. بل كثر ما احتوت وصف المنكرات والفظائع التي كان رجال البابا وصنائعه يرتكبونها مثل المذابح الدينية التي وقعت في لانجويدوك. بل كثر ما قصدت إلى تمثيل المحرمات التي كان الكهنة يحتقبونها. من عشق غير مشروع. وصبابة غير مسموحة. وأخذت الفروسية والبطولة عن أسبانيا. وجاء معهما تلكم الفكرة النبيلة والعاطفة المحمودة. ونعني بها كلمة الشرف الذاتي التي قدر لها دهراً أن تستن لنفسها قانوناً في أوروبا.

ولم تكن رجعى الباباوية إلى روما ليرد لها سلطانها في شبه جزيرة إيطاليا. بل مضي جيلان على انتقالها ولم تسترجع بعض نفوذها ولو كانت قد عادت إلى حاضرتها الأولى بقوتها الأولى وبأسها السابق لما استطاعت أبداً أن تحارب تلك النهضة الفكرية التي كانت آخذة في التقدم في غيابها ولم ترجع الباباوية إلى روما لتحكم بل لتنقسم على نفسها، وقد خرج من هذه الضائقة وهذا الخلاف باباوان مزاحمان، وخرج إليهما ثالث يريد المنصب لنفسه وطفق كل منهم يطلب حقه ويسال منصته، ويبهل الآخر ويلعنه فأثار ذلك في أوروبا شرقها وغربها سخطاً عاماً وغضبة مسيحية وإجماعاً على إنهاء هذه المآسي المعيبة والمناظر الشائنة وتساءل المسيحيون كيف تصدق فكرة قبول قسيس لله على الأرض بل كيف تصدق فكرة بابا معصوم لا يخطئ ولا يأثم وهذه المضحكات المنديات، ولذلك عزم أشد رجال الدين قوة وبأساً على تأليف مجلس عام يكون هو المجلس الديني القائم على شؤون أوروبا بأجمعها ويكون البابا رئيسه المنفذ لقوانينه وأحكامه ولكن هذا الرأي لم يحقق ولو فعلوا لما كان حتى اليوم نزاع بين العلم والدين ولما نتج الإصلاح الديني ولما كان هناك شيع البروتستانت وشنشنتهم ولكن المجلس الذي عقد في كونستانس من أعمال سويسرا والمجلس الذي قام أيضاً في مدينة بازل لم يفلحا في تقويض سلطات البابا ولم ينجحا في الإتيان بهذه النتيجة المرضية.