للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك كانت الكاثوليكية في ضعف وتقهقر، وكلما رفع تأثير ضغطها، وانتزع منها بعض سلطانها، كان النبوغ الفكري في ارتقاء وظهور، وحوال ذلك الحين كان العرب قد اخترعوا طريقة صنع الوق من إطمار النيل وأخلاق القطن. وكان البندقيون أهل فينسيا قد نقلوا إلى أوروبا فن الطباعة من الصين. وكانت ضرورية لاختراع العرب. ومن ثم أصبح بين العالم تبادل فكري عام. لا يقف في سبيله عائق أو رصد. ولقد كان اختراع الطباعة ضربة قاضية على الكاثوليكية. وكانت من قبل تنعم بفائدة كبرى لا تقدير لها. وهي احتكار كل صلة بين الناس وكل تبادل. إذ كانت تنفذ من مقر أمرها في روما كل ما تسن من شريعة وتأمر من أمر إلى رجالاتها وصنائعها. وهؤلاء يدفعون بها إلى الناس من فوق المنابر ولكن جاءت المطبعة فأفقدتها هذا الاحتكار، وهدمت منها كل سلطة، وضاع في هذه العصور الحديثة تأثير المنابر، واستعيضت الصحيفة عن المنبر، ولكن الكاثوليكية لم تشأ أن تدلي بنعمتها القديمة دون حرب ونزاع، ولم ترض أن تنزل عن احتكارها دون مقاومة وقتال، بل لم تكد تكتشف عقبى ذلك الفن الجديد فن الطباعة حتى حاولت أن تضع له حداً، وتنشئ عليه رقابة، فوضعت قانوناً يقول بعدم جواز طبع كتاب دون ترخيصها، ومن ثم كان لزاماً على كل مؤلف أن يقدم كتابه إلى الكهنة فيقرؤه ويختبروه ويروا فيه رأيهم، وكان يجب أن يشهدوا له بأنه كتاب ديني قويم، وأصدر الباب اسكندر السادس سنة ١٥٠١ أمراً بحرم أصحاب المطابع الذين يطبعون التعاليم النكراء، وأمر المجس العام في عام ١٥١٥ بأن لا يطبع من الكتب إلا ما اختبره النقاد الدينيون، والأعوقب الطابع بالحرم والتغريم وقد وصى النقاد بأن يعنوا العناية الكبرى بأن لا يسمحوا بطبع كتاب يخالف الدين القديم وكذلك كانوا يرهبون كل بحث ديني ويخافون أن يخرج إليهم الحق من معتزله.

ولكن ما كانت قوي الجهل ومقاومته للحفق لتظفر بالغلب بعدما كفل الناس بينهم وسيلة للتبادل الفكري وهكذا انتهى الصراع وخرجت للعالم الصحف العصرية ولكنها لم تكن بادئ بدء حرفة قوم كثيرين وإن المجتمع الحاضر يرجع ارتقاءه ومزاياه إلى هذا التغير.

هذه هي نتيجة نقل صناعة الورق وفن الطباعة إلى أوروبا وكذلك كان إدخال بيت الإبرة أوروبا إذ تبعه كثير من النتائج المادية والأدبية وهي: كشف أميركا على أثر المنافسة التي قامت بين أهل فينسيا وأهل جنوه على تجارة الهند واجتياز داجاما ساحل الكاب وبلوغه