للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنشب أن تزول. وغاب عنها أن ترى أنها في الحقيقة خاتمة حركة داخلية كانت تعمل وتسري مدى قرنين في قلب أوروبا وتجمع لها في كل ساعة قوة وظهيراً. ولم تفكن إلى أن وجود ثلاثة باباوات يتبعهم ثلاث شيع يكره الناس على التفكير لأنفسهم. ويعلمهم أن هناك قوة أسمى من قوة البابا وأشد ركناً ومن ثم ما نشب أن قامت حروب ووقائع كان ختامها معاهدة ويستفاليا. ونزعت بذلك الممالك التي في شمال أوروبا ووسطها عنها الاستبداد الفكري الذي كان لروما عليها، وفكت الأسار الذي كانت تتقيد به أذهانها، وتقرر كذلك مبدأ الشخصية، وأسس حق الناس في حرية التفكير.

ولكن لم يستطع هذا المبدأ ولا الحق الذي أسسه أن ينفرا عن الكاثوليكية، ولما كان حزب البروتستانت لم يقم إلا بالنزاع والانفصال وجب أن يأخذ دوره منهما، ولذلك خرجت منه شيع وفرق. ورأت هذه الفرق أن لا خوف عليها من عدوها الأزرق يريد روما أن بعبارة أخرى الكاثوليكية فبدأت تضرم نار الخلاف بينها، وكان من ذلك أن جعلت كل طائفة منهم تنهض بالسلطة ثم تتدهور، لتأخذ مكانها طائفة أخرى، حتى حدث من هذا التقاتل مظالم وفظائع كثيرة أدت في خاتمة الأمر إلى التسليم بمبدأ التسامح الديني، ولكن التسامح ليس إلا حالاً وسطاً، وما دامت البروتستانتية سائرة في ذلك الانقسام الفكري فإنها ستصل إلى حال أسمى وأعلى شأناً، إلى ذلك الغرض الذي ترمي به الفلسفة في كل عصر من عصور التاريخ، ونعني به تلك الحالة الاجتماعية التي تتنعم من حرية التفكير بنصيب لا تحويل له ولا انقطاع.

والتسامح، إن لم يكن عن رهبة أو خوف، لا يأتي إلا من أولئك الذين يشعرون إنهم قادرون على قبول آراء غيرهم واحترامها. ولذلك كان التسامح نتاج الفلسفة وقد علمنا التاريخ أن التعصب الديني يضرم ناره، ولا يطفئها إلا الفلسفة.

ولم يكن غرض الإصلاح الديني إلا أن يذهب عن المسيحية تلك الآراء والأعياد الوثنية التي أدخلها عليها قسطنطين وخلفاؤه، إذ أرادوا أن يصلحوا بينها وبين الدولة الرومانية، وما كان غرض البروتستانت إلا أن يرجعوا بها إلى نقائها الأول، ومن أجل ذلك خلصوا بها من مثل عبادة العذراء وشفاعة القديسين.

وأقبل أدب العرب على المسيحية من طريقين، جنوب فرنسا، وصقلية، وجاء على أثره