للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإذا قرئ عليه نبأ. أو قصت عليه حكاية فلم ينشرح لها ولم يبتهج. رأوه قد بدأ ينفخ من غليونه أنفاساً قصيرة متتابعة. فإذا خف للقصة وأعجب بها. تنفس الدخان في دعة وسكون. وبعثها سحائب خفيفة غير معتمة. وحيناً يخرج لغليون من فمه ويدع ذؤابة الدخان تدور حول أنفه. ويطرق في سكون برأسه دليلاً على استحسانه التام.

ومن هذا الحمى الأمين كان رب الزوج المنكود عرضة لمطاردة زوجته له ومباغتتها، فقد كانت تنقض عليه وهو في الحفل مطمئن وادع. قاطعة على المجلس هيبته. مرسلة فيهم قحتها. حتى رئيسهم الرجل المهيب الوقور لك يكن لينجو من شر لسان المرأة المسترجلة المتوحشة. إذ كانت تهجم عليه بالتهمة. وترميه بأنه المشجع لزوجها على البطالة والكسل.

وبلغ برب المسكين اليأس. وجدية الحزن. فلم يكن يري وسيلة للفرار من بحث مزرعته وتعهدها. وصيحات زوجته وصرخاتها. إلا أن يأخذ بندقيته ي يده وينطلق في الغاب هائماً طائفاً.

هناك كان يجلس عند أصل شجرة. يقاسم كلبه ما في جعبته من رزق. وكان يعطف على الكلب ويحدب. كرفيق له في نكد الدنيا. وحليفه في عذاب البيت. وكان يخاطبه فيقول أي وولف المسكين. أن صيدتك لا تطلب لك من الحياة إلا حياة الكلب. ولكن هون عليك يا فتاي ولا تبتئس. فلن يعوزك الصديق الرحيم. ما دام في نفس صاعد. .

إذ ذاك يهز وولف ذنبه. وينظر إلى وجه سيده واجماً. وإن صح إن الكلاب تشعر بالرحمة. فإن معتقدي أن وولف كان يبادل سيده عطفه وحنانه.

ففي طوفة من طوفانه. في يوم خريف جميل. انتهى برب التجوال إلى ربوة من أعلى ربى تلك الجبال. وكان كعادته يتعزى بصيد السناجب. والسهل والحزن يضجان بقصف بندقيته. حتى إذا جاء الأصيل. حل به التعب واللهاث من أثر التيار والتطواف. فارتمى يرفه عن نفسه على ذروة في الجبل قد كساها العشب الأخضر ثوباً سندسياً يتوج جبين الهاوية. وقد أشرف من فرجة بين السرحات الباسقات على السهل المنخفض الممتد بضعة أميال من باسق أشجار الغاب. ورأى من كثب نهر الهدسون يجري في سكون وجلال. تعلوه غمامة اكتست حمرة الشفق. وتلوح عنده جارية تمخر العباب نائمة فوق صدره الزجاجي. ثم تغيب وراء الجبال الزرقاء.