للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأفنان. منتشرة الأغصان. حتى لا ترى القبة الزرقاء إلا بين فرجات فروعها. ولا تشهد غمائم المساء إلا من أضعاف أعوادها. هذا وهما يسيران صامتين لا يتخاطبان. وإن كان رب في دهشة بالغة وعجب يذهل القلب. يسأل نفسه ترى أي غرض هناك من حمل دن فيه خمر إلى هذا الجبل الموحش. ولكن شيئاً غريباً غامضاً حول ذلك الرجل المجهول يثير الرعب ويحسم عرق التخاطب والتفاهم.

فلما بلغا الأخدود رأى حالاً عجباً. رأى في بقعة سهلة من بهرة الأخدود. جماعة من الرجال في مظاهر منكرة. يلعبون لعبة الدبابيس التسعة. مشتملين في أزياء غريبة منكورة. منهم من اتشح في سترة قصيرة. ومنهم من تسربل بسراويل طويلة. وفي مناطقهم الخناجر. يلبسون سراويل عدة. كلها على نمط سراويل الدليل. أما وجوههم فما شئت من غرابة ونكر. وإن فيهم رجلاً طويل اللحية مرسلها. عريض الصفحة ضخمها. متخازر العين خنزيريها، وفيهم رجل آخر يكاد وجهه لا يحوى غير أنف. تعلوه قلنسوة بيضاء أشبه بقمع السكر. حليتها ذيل ديك حمراوي. وللكل لحى مختلفة ألوانها. متباينة أشكالها. وفيهم رجل عليه مظهر الزعيم. شيخ عبل أسمر الملامح من أثر الجو. مشتمل في سترة مقفلة. ومنطقة عريضة. يتدلى منها سيف قصير. فوق رأسه قلنسوة عالية رائشة. وحول ساقيه جوارب حمراء. ينتعل حذاء عالي الكعب. حلاه نوع من الورد.

والذي زاد في عجب رب ودهشته أن القوم يتلهون ويلعبون. وهم متجهمون مكفهرون. في أرهب صمته. وأرعب هدوء. ورأى فيهم جماعة لهو محزنة لم يشهد قبلها شبيهة لها في تاريخ حياته. هذا وسكون المشهد لا يقطعه إلا صوت دحرجة الكرات وهي تدوي في الجبال كأنها زمجرة الرعود.

فلما دنا وصاحبه من الجماعة. وقفوا برهة عن لعبهم وحملقوا إليه جميعاً. بنظرات ثاقبة ثابتة ثابتة كنظرات التماثيل. بوجود دميمة ومعارف جهمة. طارت نفسه من هولها شعاعاً. واصطكت ركبتاه من رهبتها فرقاً. وشرع رفيقه يفرغ الدن في قواوير كبيرة. ثم أشار إلى رب أن يطوف على الجماعة بها. فأطاع وهو يرتعد خوفاً ووجلاً. حتى إذا جرعوها صامتين. عادوا إلى الكرات يلعبون. شجعها نفسا

وبدأ يذهب عن رب الروع. حتى أنه جسر في خلسة المختلس. ولا عين تراه. أن يتذوق