للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العالي الذي نريد أن نختاره بين الأمم. والطريقة الوحيدة التي أعتقد أنها توصلنا إلى غايتنا هي أن يعتقد كل فرد منا أنه قادر على خدمة بلاده بصدق وأمانة، يتحمل الصعوبات مهما كبرت، والمشقات مهما كثرت.

واسمع ما يقوله دولة الأمير غيره على الشرق وغضبه للآداب الشرقية، والأخلاق الإسلامية:

إن التهتك والتبرج بلغا أقصى غايتهما، ومما يملأ القلب أسفاً إن ذلك لم يبق مقصوراً على البلاد الغربية فإنه أخذ يتسرب إلى بلادنا وينتشر فيها بسرعة مدهشة، فأين آدابنا الشرقية وأخلاقنا الإسلامية، إني أرى إهمالاً شديداً في المحافظة على عوائدنا القديمة، وقد التبس الأمر على الشرقيين في فهم معنى الحرية وأساؤوا التصرف في الانتفاع بها وتذرعوا بها إلى هتك حرمة الآداب وتقويض دعائم الأخلاق الكريمة، ولو تيقظوا لعلموا أن الحرية حق من حقوق الرشيدين من عباد الله جل شأنه، منحهم إياها ليتسعينوا بها على تنظيم أحوالهم وترقية شؤونهم واستعمال مواهبهم فيما خلقت لأجله والتمتع بما أباحه الله لهم، فليس في معنى الحرية الخروج عن حدود الآداب وخرق سياج الفضائل، فإن ذلك سائق إلى مهاوي الهلاك، إن كلمة حرية كان يقصد بها أولاً تخليص الإنسان من أطوار العبودية والرق يوم كان القوى يتغلب على الضعيف فيأخذه أخذ عزيز مقتدر ويسخره في مصالحه كحيوان أعجم مملوك له يتصرف فيه كيفما شاء، فلما استنارت العقول رأت أن ليس لمخلوق حق السيادة على آخر، وإن كل عبودية من الإنسان للإنسان حطه ودناءة وإن الإنسان سيد نفسه إلا أمام خالقه، ولا تفاضل بين بني آدم إلا بمقدار ما لهم من المدارك وفضائل الأخلاق ومحاسن الآداب.

هذا هو معنى الحرية التي جعلها الحق جل شأنه من حقوق عباده، وهي بهاذ المعنى أكبر أركان سعادة الإنسان، فيها يحيا العدل ويموت الظلم، وبها يتخلص الإنسان من قيود الذل إلى بحبوحة العز، بها تكون للحياة قيمة، وبدونها لا معنى للحياة، فإذا خرج الإنسان بالحرية عن هذه الدائرة إلى انتهاك الحرمات والانغماس في الشهوات، وإطلاق العنان للنفس، انقلبت إلى حرية العجماوات السائحة في بواديها، فهام في ظلمات الضلال، وإذا كانت هذه الحرية المطلقة هي غاية المدينة الحديثة فجدير بها أن تسمى همجية. .