للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طافت هذه الروح على البشر منذ ثلاثة عشر قرناً تدعو الناس إلى الإخاء والتعارف بين جميع أفراد المعمور على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم وتباين مذاهبهم ومشاربهم، وتدعوهم إلى التضامن الإنساني في كل أطوار حياتهم. وتدعوهم إلى جعل العدل أساساً لمعاملاتهم الاجتماعية والسياسية كما تدعوهم إلى استعمال الرحمة والحنان. حاثة على مكارم الأخلاق حاضة على التمسك بوسائل العمران، وقد رسمت لهم طريقاً جديداً لم يسبق له مثال في السواء والسهولات وتقريب المسافة في تحقيق وصول الآمال للسعادة الدنيوية والنعيم الأبدي.

تنادي تلك الروح الجنس البشري بأعلى صوتها.

يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.

وتقول لهم:

وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان

وتقول:

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.

كما تقول حاضة على الحركة والعمل:

وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وإن سعيه سوف يرى.

وتقول مهبط تلك الروح صلوات الله عليه واطلبوا العلم ولو بالصين وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

دين كله تعارف وإخاء وعدل وعلم ورحمة وحركة وعمل وفكر وتنبيه كان من شأن انتشاره في أرجاء الدنيا أن تيقظ لحكمة الناس أجمعين المؤمنون به وغير المؤمنين وليس من الغريب إن هذه الحركة الإسلامية كما مدنت الشعوب المتبربرة وأكسبتهم مدنية أقر لهم بها التاريخ كان لها صدى في الغرب الذي كان حينذ تائهاً في ظلمات الجهالة، غارقاً في لجج الهمجية، لا يبصر الضوء إلا من سم الخياط ولا يتنسم الحياة إلا من مطالع الشرق لأن تلك الحركة الإسلامية لم تجيء لتخلص بمزاياها أقوى معينين بل هي جاءت لسعادة الإنسان من حيث هو إنسان.