للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باسم الدين الجديد وبعقيدة التوحيد التي امتلكت أفئدتهم. وبقي السيد الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث من أعماله وأقواله إلى الأمة العربية الجديدة ما يزيد انضمامها وتضامنها. وكان الحكم يومئذ لله يجيء عنه بطريق الوحي إلى مختارة والمختار يبلغه للناس ويقوم بتنفيذه بينهم فكان ناقل الشرع إليهم وكان قاضيهم وكان المدبر لسياستهم. لكنه كان لا يستبد بالأمر دونهم، وكان يرجع إلى رأيهم في المسائل الكبيرة وبالأخص في مسائل الحرب والسلم. وكانوا راضين حكمه محبين له، فلما استأثر الله برسوله لم يوص بالخلافة إلى أحد من بعده. واجتمع المسلمون بالسقيفة يتشاورون فيمن يكون له الأمر، وإنما ضم هذا الاجتماع بالطبع عدداً من الرؤساء ومسموعي الكلمة. وبعد خلاف حصل بين المهاجرين والأنصار تمت البيعة لأبي بكر، ولما اجتمع له الأمر خطب الناس وكان من بعض ما قاله: أطيعوني ما أطعت الله. فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. ثم دعا عمر وأعيان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما ترون لي من هذا المال فقال عمر أنا والله أخبرك ما لك منه، أما ما كان لك من ولد قد بان عنك وملك أمره فهمه كرجل من المسلمين. وأما ما كان من عيالك وضعفة أهلك فتقوت منه بالمعروف وقوت أهلك فإنك قد شغلت بهذا الأمر عن أن تكسب لعيالك يراجع الإمامة والسياسة جزء أول صحيفة ٢٨.

هكذا كانت الحال أيام الإسلام الأولى فكان الناس يتشاورون وينتخبون خليفة من بينهم. فإذا ما انتهوا من ذلك انتهوا من الأعمال العامة وصاروا يأتمرون بأمر هذا الرئيس وهو مكلف طبعاً بأن يسير على مقتضى أوامر الكتاب والسنة وأن ينفذها. وطبيعي أنه كان يسعى دائماً لكسب عطف الكبراء من الرجال بأن يصغي لمشورتهم لكن الأمر كان بعيداً جداً عن الحالة النيابية التي نتصور اليوم. تلك كانت حال هذه العصور. وسيرى القارئ أن هذه الحال نفسها كانت حال المملكة الرومانية حتى في أعز ما صلت إليه، وسبب ذلك أن الحرية الفردية على ما نتصور اليوم لم تكن ذات وجود ظاهر بل كانت الأكثرية العاملة تعطي حكم القطيع يساق ولا رأي له. ولهذا الاعتبار ولأن مسألة الرئاسة ونفوذ كلمة الرئيس كانت مستأصلة في الأخلاق يومئذ كان رؤوس الناس أنفسهم يرون طبيعياً وجود رئيس صاحب سلطان.

ولم يكن هذا الرئيس يستمد سلطته من منتخبيه إلا يوم انتخابه. أما بعد هذا الانتخاب فإن